ملخص مركز لكتاب
إشكالية الثنائيات في فكر عبد الوهاب المسيري
دراسة في المنطلقات الفكرية والنماذج المعرفية
المؤلف: د. محمد عـلا
يعدّ المشروع الفكري للأستاذ د. عبد الوهاب المسيري -رحمه الله- حالة فريدة ومميزة ضمن الأعمال الفكرية المعاصرة، نظرا لتعدد اهتماماته العلمية، وتميّز منهجيته المعرفية، فهو عالم شديد الاتساع والثراء، وصاحب مشروع فكري متكامل يحاول إعادة النظر في إشكاليات عديدة منها؛ إعادة البحث في العلوم الإنسانية وفق رؤية عربية إسلامية (إنسانية)، وفي الظاهرة اليهودية، وفي اللغة، والعلمانية، والسياسة. وقد كانت الحصيلة إنتاجا كبيرا يجمع بين التنوع والغزارة والعمق: دراسات في الظاهرة الصهيونية وأعمال في النقد الأدبي والأدب الإنجليزي والعلمانية والتحيز ومناهج البحث، وأعمال إبداعية: دواوين شعر وقصص أطفال، كما أنه محلل بارع للكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية حيث تعقّبها بمنهجيته النقدية وتحليله الماتع، كالأفلام والفيديو كليب والعادات الغذائية وغيرها من المظاهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية التي قد يألفها البعض كمسلّمات حياتية وعادات معيشية بينما رآها المسيري تبدّيات ومظاهر لنموذج حضاري ورؤية معينة، توجّه أفعالنا وتشكّل تصرفاتنا وتفرض عليها شعوريا أو لا شعوريا خيارات معينة دون غيرها. والكتاب تحليل منهجي علمي للمنطلقات الفكرية عند المسيري ودراسة للنماذج المعرفية التي ابتكرها استنادا إلى التحليل المرتكز على الثنائية كآلية لفهم الظواهر الإنسانية والوجودية.
ويحاول الدكتور محمد علا من خلال كتاب “إشكالية الثنائيات في فكر عبد الوهاب المسيري؛ دراسة في المنطلقات الفكرية والنماذج المعرفية” أن يبرز، بناء على تحليل منهجي علمي، المنطلقات الفكرية في مشروع المسيري، وتتبّع النماذج المعرفية التي أبدعها استنادا إلى التحليل المرتكز على الثنائية كآلية لفهم الظواهر الإنسانية والوجودية. ومن ثم فالقضايا التي تقاربها محاور الكتاب ليست من باب الترف الفكري، بل هي إشكالات حقيقية لها امتدادات مؤثرة، كما إن وقعها واضح جلي على الواقع الفردي للإنسان بكونه مستخلفا في الأرض، وعلى الواقع الجماعي للأمة من تفاعلاتها الداخلية وعلاقاتها البينية الخارجية مع الأمم الأخرى لتحقيق الخيرية المنوطة بها.
يتوقف الكتاب على مركزية التحليل الثنائي في فكر المسيري، مبرزا خيوطه الممتدة في عدد من الروافد المرجعية، وفي كثير من الإشكالات المعرفية، وفي جملة من الغايات والنهايات التي شكلت عناصر أساسية للرؤية الكلية للإنسان والحياة والوجود، وما يؤكد ذلك أن أغلب المقولات التحليلية في كتابات المسيري هي مقولات ثنائية: ومن أهمها: الإنساني والطبيعي، الروحي والمادي، السائل والصلب، المطلق والنسبي، التراحم والتعاقد. فالثنائية عند المسيري هي رؤية توحيدية كلية للعالم، توحّد بين الروح والمادة، ولذا جاء الإسلام يخاطب كل ما في الإنسان، ويوجّهه لتحقيق التوازن والتكامل الخلاق بين الثنائيات التي تحيط به.
ينقسم الكتاب إلى فصلين؛ الفصل الأول معنون ب “منطلقات الفكر الثنائي عند المسيري“، حيث مهّد المؤلف بمناقشة إشكالية المنهج في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبيّن بعض مواقف المسيري المعالجة لجوانب من الإشكالية. ثم تطرق في مبحث ثان إلى نماذج من منطلقات الفكر الثنائي عند المسيري، وهي منطلق العقيدة، ومنطلق الاستخلاف، ومنطلق مركزية البعد الإنساني العالمي، ومنطلق نقض المادية وتجلياتها الحداثية، ومنطلق الأصالة المعاصِرة.
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد جاء بعنوان “دراسة نماذج ثنائية عند المسيري؛ مقاربات حول الثنائيات الوجودية” حاول فيه المؤلف دراسة نماذج ثنائية في فكر المسيري، من بينها الثنائيات الوجودية، مبرزا الإطار المعرفي والمنهجي العام لثنائية الخالق والمخلوق وثنائية الإنسان والطبيعة في موسوعة المسيري “اليهود واليهودية والصهيونية”، ومحاولا من خلال ذلك مقاربة عدد من القضايا من أهمها: قضية الخلق، والتقديس، واختلاف مرجعيات التأسيس والتفسير. مع رصد لإشكاليات ثنائية عند المسيري؛ والحاجة إلى استئناف التجديد فيها، ومن أهمها: ثنائية الخصوصية والعالمية، وثنائية الخطاب الإسلامي القديم والخطاب الإسلامي الحديث، وثنائية العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية.