“الأخلاقية أفقا للتغيير: نحو بناء إنسانية جديدة، بحث في فلسفة طه عبد الرحمن”، هو عنوان كتاب جديد من تأليف الأستاذ الدكتور مصطفى أمقدوف، والأطروحة الأساس التي يحاول المؤلف مدارستها في هذا الكتاب، هي الجواب الأخلاقي عن سؤال النهوض الحضاري الإسلامي، انطلاقا من البحث في فلسفة طه عبد الرحمن الأخلاقية، على اعتبار أن هذه الفلسفة، في نظر الكاتب، أحدثت منعطفا فلسفيا بارزا في الفكر العربي والإسلامي الحديث، بل انقطاعا في هذا الفكر، لأنها كشفت، في نظره، عن محدودية مفهومين أدمنهما الفكر الإنساني عموما، والفكر العربي خصوصا، وهما العقلانية والتسييس.
وانبنت هذه المدارسة الفلسفية الأخلاقية لسؤال النهوض الحضاري على ثلاثة فصول:
الأول، اختص بسؤال الأخلاق في التصور الدهراني والنقد الطاهوي، وانحصر في الوقوف على تهافت التأسيس الدهراني، وضيق الآفاق التي تفتحها الأخلاق الدهرانية للإنسانية، نظرا لكونها تحصر تطلعات الإنسان في عالم المحسوس، أو قل عالم الشهادة.
الثاني، اهتم بسؤال الأخلاق في التصور الإسلامي، وانشغل بمحاولة صياغة معالم نظرية أخلاقية إسلامية، انطلاقا من إسهامات طه عبد الرحمن في هذا المسعى، وإبراز مدى قدرة هذه النظرية على خرق محدودية الأخلاق الدهرانية في الجواب عن الأسئلة الوجودية والأخلاقية والقيمية الملقاة على الإنسانية اليوم، فضلا عن إبراز الآفاق التجديدية التي تفتحها أمام الإنسان الحديث، إن توسيعا للعقل أم تحريرا للفرد.
والثالث، اختص بسؤال التغيير، حيث اهتم باستشكال التغيير الإنساني في الوقت الراهن، ورصد طبيعة العلاقة التي تربط هذا التغيير بالتجربة الدينية، أو قل التجربة الروحية والخلقية، انطلاقا من الفلسفة الأخلاقية الطاهوية، متطلعين بذلك إلى الإسهام في التغلب على محدودية التصورات التغييرية المعاصرة.
وتتجلى أهمية هذا الكتاب في كونه يأتي في سياق حضاري مخصوص، يتمثل في انحطاط الأوضاع الإنسانية والحضارية في المجتمعات المسلمة، وتسلط النموذج الحضاري المادي الغربي على الأمة الإسلامية في مختلف المجالات الإنسانية، فضلا عن اشتداد الحصار على العمل الإسلامي، وتعثر محاولات اليقظة الإسلامية المعاصرة في تحقيق الأهداف التي رسمتها.
أما قيمة هذا العمل فتتجلى في أنه يسعى إلى الإسهام في الجواب عن الإشكالات الإنسانية والمجتمعية التي أفرزتها الحداثة الغربية الراهنة، وذلك من خلال تقديم تصور جديد للارتقاء بالأوضاع المجتمعية والإنسانية في الزمن الراهن، كما يسعى من جهة أخرى إلى الإسهام في تصحيح مسار العمل التغييري في العالم الإسلامي، من خلال الوقوف على الآفات العملية والعقلية التي أصابت هذا العمل، وجعلته يخل بمجموعة من المقومات القيمية والخلقية التي ينبغي أن ينبني عليها أي عمل تغييري ذو توجه ديني.