ملخص الدراسة
يشترط النظر في المقولات الكبرى للفكر السياسي المعاصر، الأخذ بالبنية المنهجية والروح البنيوية التي تؤسسه وتشكله، وفق ترابط يستلزم بالضرورة تَملُّكَ زاوية نظر كلية تستوعب شتات الموضوعات في إطار تكاملي مبني، وعلى هذا الأساس وحده نفسر مثلا الرفض الذي قابل به “باومان” ذات مرة، طلب إضافة تقديم بسيط لكتابه “الحداثة السائلة” في ترجمته العربية، ليتناسب مع مشكلات القارئ العربي وهمومه الوجودية وآماله التحررية، معلقا: “إن الكلمة أمانة، ومعرفتي بالربيع العربي ضئيلة، وربما منعدمة”[1]، والقصد في هذا التعبير يصب في جزء مما نود قوله حول طبيعة الفكر السياسي المعاصر، المرتهن لكلية القول وتركيبية الاهتمامات النظرية، فهو جماع قول حول الاجتماع والتاريخ والاقتصاد….، وهو أيضا دراسة تأملية للطبائع البشرية والبنى الثقافية والوجدانية للجماعات البشرية في سياقات موضوعة على أساس التغير الدائم والمستمر. الفكر السياسي، هو في الأصل على مقاس هذه البنية، ولا يحق لمالك النظر فيه أن يرتهن لرؤية أحادية، كأن يكون مؤرخا، رجل دين، رجل سياسة، خبير اقتصادي، أنتروبولوجي… وفقط، بل متمرسا على تفكيك كل أنماط القول المجاورة، ومن هنا امتناع “باومان” عن إصدار أي حكم عن التجربة السياسية للبلدان العربية، مخافة السقوط في تناقضات مرتبطة بطبيعة الموضوع من جهة، واحتراما لمنطق السياسة من حيث النظر لا العمل من جهة ثانية. فماهية الفكر السياسي تستلزم النظر والتأمل العقلي في الظاهر ة السياسية لتفكيك طبيعتها وأنماطها وكيفياتها ورهاناتها، دون اختزال أوجه منها على حساب أخرى، وإلا امتنع الدارس عن كشف الأبعاد العامة المشكلة للوجود البشري، وتوقف نظره للأشياء في حدود الواقعية التبسيطية، التي هي شأن من شؤون “الخبراء”، ليس لها سوى القدرة على تفكيك الحدث زمنيا، وفق رؤية حسابية لا تعبر بصدق عن روح التفكير في المقولات النظرية للفكر السياسي وأفقه.