مقدمة
يطرح القلق الإنساني في كل الأزمنة أسئلة شائكة ومحيرة، تكون في حاجة إلى أدوات لتفكيكها، وكانت الفلسفة وقبلها الدين والأسطورة، ولربما غيرهما، هي الإمكانات المتاحة لدراسة كل التناقضات التي يعبر عنها الوجود البشري في مستوياته المعرفية والنفسية والروحية…، وبالتدريج حدث تضخم في طبيعة هذه المشكلات، ومعه كان لزاما إحداث أشكال جديدة من المقاومة، رغبة في تجاوز كل أشكال القلق التي تطفو على السطح باستمرار . والعلوم الإنسانية هي بلا شك جزء من آليات الممانعة التي تم إبتكارها في الزمن الحديث للمساهمة في تفكيك المشكلات البشرية، تحقيقا للموازنة المعرفية، بين الإنسان والطبيعة، حيث تطور معرفة الإنسان بالكون والظواهر، ينبغي أن يصاحبه أيضا معرفة أكثر وضوحا بالإنسان كذات حرة وواعية، لها بنية مركبة “إجتماعية، دينية، نفسية، تاريخية…”.
صاحَب هذا الإقرار ،تأسيس العلوم الإنسانية “علم، النفس، علم الإجتماع، علوم التربية، علم التاريخ، الأنتروبولوجيا…”، والتي إعتمدت في بداياتها على دعامات فلسفية في المنهج والرؤية التوجيهية، دون أن يعني هذا تبعية هذه العلوم المطلقة لها، بقدر ما تغدو المسألة شكل من أشكال المراوحة التي بموجبها تكون الفلسفة مدعوة هي أيضا، للإنصات إلى ما تقوله العلوم المهتمة بدراسة الظواهر الانسانية. إذ يتقاسمان معا همَّا مشتركا، يتجسد في رهان الفلسفة على تحصيل معرفة أوسع بالذات، من خلال الإنفتاح على إسهامات العلوم المجاورة، بالنظر إلى كون الفرد أيضا ” هو جملة علاقاته الاجتماعية”[1]. فكيف يمكن خلق هذه الرؤية المتصالحة، التي تتجاور فيها العلوم الإنسانية والفلسفة من أجل ترميم تصدعات القلق البشري؟.