إنّ أول مهمة تنتظر الباحث في دراسته لأي مادة علمية والبحث فيها والتنظير لها، هي تحديد المفاهيم وتأصيلها، لأن الاتفاق على المفاهيم هو أحد الشروط الأساسية لقيام معرفة منظمة ومنضبطة، بل هو أحد الشروط الرئيسية للتواصل بصفة عامة. كما أن للمفاهيم أهمية خاصة في تكوين العلوم، وكثيرٌ من المناقشات والخلافات في العلوم ولاسيما العلوم الإنسانية، مردّها إلى إهمال ضبط المفاهيم بصورة متقنة لتحديد أبعادها تحديدا دقيقا. وعلى اعتبار كون المواد العلمية تتأسس على مجموعة مفاهيم لا يسع المتخصص فيها إهمالها فإنه من اللازم ضبطها وفق الشروط العلمية، في هذا السياق يتعدد الإنتاج المعرفي الذي يؤطر تلك المواد ليحدد موضوعها وطبيعته وخصائصه وما يندرج ضمنها، وذلك في محاولة لفهمها والإحاطة بها. غير أنه يكاد يكون من النادر أن تجد مبتدأ في تخصص ما يدرك كيفية التعامل مع تلك المواد العلمية، إذ لا يميز بين الممارسة العلمية وغيرها من أشكال المعرفة. على هذا الأساس تأتي هذه الورقة لتساهم في تقريب المراد من مفهوم العلم وشروط ممارسته في أذهان الطلبة والباحثين، حتى يحصل لهم تصور معناه وخصائصه المميزة له.
1-ما العلم؟
ليس من السهل تعريف العلم، كما ليس من السهل تعريف أي شيء بهذا الوجود، لأن التعريف الجامع المانع هو الحقيقة المطلقة، والحقيقة المطلقة ليست في متناول الإدراك البشري، ويبقى أن ما بُذل ويُبذل من مجهود في هذا المجال يدخل في إطار النسبية التي أصبحت هي الحقيقة الوحيدة. لذلك فإن الفلاسفة والمفكرين لم يتفقوا على تعريف محدد للعلم، ولكن البعض حاول إيجاد معايير يمكن من خلالها الاعتراف لنشاط فكري ما بصفة العلم.
كلمة “علم ” science” مشتقة من الكلمة اللاتينية « scienta » التي تعني “معرفة”، كما أن كلمة « scienta » تعني “الذي يعرف”، و”المتعلم”، “الفطن”، و”العارف”.
والعلم هو: “فرع من الدراسة تلاحظ فيه الوقائع، وتصنّف وتصاغ فيه القوانين الكمية، ويتم التثبت منها، ويستلزم تطبيق الاستدلال الرياضيّ، وتحليل المعطيات على الظواهر الطبيعية”، أو هو: “مجال واسع من المعرفة الإنسانية، يُكتسب بواسطة الملاحظة والتجربة، ويتم توضيحه عن طريق القواعد، والقوانين، والمبادئ، والنظريات والفروض”، أو هو: “مجموع المعارف البشرية الخاصّة بالطبيعة والمجتمع والفكر، والمكتسبة باكتشاف قوانين موضوعية للظواهر وتفسيرها” أو هو: “بحث وتقصٍّ منظم لفهم العالم الفيزيائي والإنساني، يتّسم باستخدام المدخل الإمبريقي، والاختبار والتجريب للتحقق من المعرفة المكتشفة أو دحضها أو تعديلها”. ومهما يكن تعريف العلم فإنّه في واقعه يتميز بسمات معينة هي:
- اعتباره كمنهج ومعرفة؛
- اعتماده على الملاحظة والتجربة؛
- تخصيصه بمجال معرفي يتعلّق بالحسّيات؛
بصفة عامة العلم هو أحد أشكال المعرفة (Connaissance)[1] الإنسانية الهادفة إلى فهم العالم والبحث عن الحقيقة، واستقصاء الحلول للمشاكل التي تعرض للإنسان سواء في علاقته بالطبيعة أو في علاقته بنفسه كفرد وكمجتمع. قبل العصر الحديث، كان مفهوم العلم مندمجا في مفهوم عام هو “الفلسفة”. فالعلم بكل صوره لم ينفصل عن الفلسفة إلا في مطالع العصور الحديثة، بعد أن أمكن التمييز بين العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية من ناحية، وبينها وبين الفلسفة من الناحية الأخرى، عن طريق المنهج الذي تصطنعه كل منها. أما اليوم فهناك الكثير من التخصصات المعرفية التي تسمي نفسها علوما، منها ما يتخذ العدد موضوعا له كالرياضيات، ومنها ما يتخذ المادة الجامدة موضوعا لها مثل الفيزياء والكيمياء، ومنها ما يتخذ المادة الحية أو العضوية كموضوع للدراسة وهي البيولوجية، ومن العلوم ما يجعل الإنسان موضوعا للدراسة سواء كان فردا (كعلم النفس) أو مجتمعا (كعلم الاجتماع) أو تاريخا (كعلم التاريخ).
بجانب الفروع الكبرى والتخصصات الأكاديمية المعروفة للعلوم، هناك تفرعات أخرى كثيرة ولاسيما في العلوم الإنسانية. ففي هذه الأخيرة كثيرا ما تصادفنا فروع مثل: علـم الماركسية، علم المسيحية، علم الاستشراق، علم الإسلاميات، إلى غير ذلك من فروع المعرفة التي تطلق على نفسها مصطلح ” العلم”. ويمكن تقسيم الدراسة العلمية إلى أربع مجموعات رئيسية كالآتي:
1. الرياضيات والمنطق؛
- العلوم الطبيعية؛
- علوم الحياة؛
- العلوم الاجتماعية؛[2]
وبالنظر إلى كون العلم ليس هو الطريقة الوحيدة لمعرفة الظواهر الطبيعية والإنسانية، فالأساطير والأديان والفلسفة هي أيضا أشكال معرفية لما يحيط بنا، فقد اعتاد الباحثون أن يخصوا العلم عن الأنماط الأخرى بنوعية التفكير التي يمارسها وبطرائقه التي يعتمدها في إنتاج المعلومات والمعارف. ووفقا لذلك، تكون المعرفة علمية إذا نتجت عن تفكير علمي وتطبيق طريقة علمية، أي إذا التزمت عملية التفكير تطبيق بعض القوانين والإجراءات الخاصة بالعلم. وتبعا لذلك، نستطيع أن نقول بأن التفكير العلمي والطريقة العلمية يؤديان إلى المعرفة العلمية، وبناء عليه يتميز العلم بخاصيتين أساسيتين هما التفكير العلمي والمنهج العلمي.
2-التفكير العلمي
ويقصد بالتفكير العلمي، ذلك النمط من التفكير الذي ينبثق عن المعرفة العلمية، وهو بذلك يختلف عن التفكير السحري أو الأسطوري الذي ينتج عن المعرفة الأسطورية، ويختلف عن التفكير الديني الذي ينبثق عن المعرفة الدينية، ويختلف عن التفكير الفلسفي الذي ينتج عن المعرفة الفلسفية.
ويتميز التفكير العلمي بمجموعة من الخصائص، نجملها فيما يلي:[3]
- بدء البحث بشك منهجي: على العالم منذ البداية أن يقف من موضوع بحثه موقف الجاهل به، أو من يتجاهل كل ما يعرفه عنه، وذلك خشية أن يتأثر أثناء بحثه بمعلومات سابقة يحتمل أن تقوده إلى الضلال، وقد حرص على التنبيه إلى هذا واضعو مناهج البحث العلـمي. هذا الشك عنصر من عناصر اليقين، يمكّن الباحث من أن يحتفظ بحرية ذهنية كاملة، ويحرره من ضغط الأفكار الخاطئة التي تستبد بتفكيره، وتعوق انطلاق عقله.
- استقاء الحقائق من التجربة وحدها: إن التثبت من نتائج المعرفة العلمية، لا يمكن أن يتم إلا بالرجوع إلى الواقع، أي باستفتاء التجربة الحسية وحدها. فإذا جاز للفيلسوف أن يجعل العقل مصدر المعرفة ومعيارها، وجاز للصوفي أن يجعل الحدس أصل معرفته ومقياسها، فإن العالم لا يستمد حقائقه، ولا يمتحن صوابها إلا بالتجربة الحسية وحدها.
- التسليم مقدما بمبادئ، في مقدمتها مبدأ الحتمية أو الجبرية، أو السببية العامة: فالظواهر يتحتم وقوعها متى توافرت أسبابها، ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الأسباب، وهذه الاستحالة هي ما يسمى بالضرورة. ويترتب على هذه الحتمية استبعاد القول بالقضاء والقدر، وهو القول بأن الأشياء تسيّرها قوى خفية عليا، لأن في هذا القول جبرية لا يمكن التخلص منها، بينما يتيسر في الحقيقة تجنب وقوع الظاهرة المحتومة، بالقضاء على أسبابها، وتستبعد الحتمية المصادفة والاتفاق، لأن الظواهر ضرورية، بمعنى أن وقوعها ضروري وليس ممكنا محتملا.
- النزوع إلى التكميم Quantification: بمعنى تحويل الصفات والكيفيات إلى مقادير كمية، أي التعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، وبهذا يتيسر للباحث أن يعبر عن الخواص الكيفية بمقادير كمية.
- التزام الموضوعية Objectivité: ويراد بها إقصاء الخبرة الذاتية، لمعرفة الأشياء كما هي في الواقع، وليس كما يشتهي الباحث ويتمنى، وفي هذا يختلف العلم عن الفن في كل صوره (فن تشكيلي، شعر، موسيقى، … إلخ)، لأن الخبرة الذاتية أساس الفنون والآداب، بحيث أن الفنون إبداع ذهني تلقائي، أما العلم فيقوم على وصف الأشياء وتقرير حالتها كما هي في الواقع.
- استخدام خيال العالم: إن دقة الملاحظة العلمية وصرامتها واتصاف العالم بالعقلانية والروح النقدية لا ينفي حاجته إلى الخيال، لأن العلم لا يستقيم بغير فروض تفسر الظواهر التي يدرسها، وهذه تتطلب خيالا واسع المدى وإن كان يختلف عن خيال الفنان، لأن خيال العالم وسيلة إلى كشف الحقيقة دون تجاوز الواقع، أما خيال الفنان فيتخذ الحقيقة أداة للكشف عن الجمال.
- توخي النزاهة: ويراد بها تنحية الذات، أي طرح الهوى والتزام الحياد واستبعاد الاعتبارات الشخصية، فالعالم لا يخضع بحثه لمصلحة ذاتية أو شهرة فردية أو عقيدة دينية أو فكرة قومية، فعليه أن يجرد نفسه من أهوائه ونزواته وميوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والنزاهة تقتضي إنكار الذات، والعزوف عن استغلال العلم لتحقيق مآرب شخصية. العالم يتقمص روح القاضي النزيه، فيتجرد من ميوله ومصالحه، وينتظر في صبر حتى يعرف كل ظروف القضية التي يتصدى للحكم فيها، ويفحص كل الأدلة المؤيدة والمعارضة في غير تحيز ولا تعجل، وهذا يتطلب رصيدا قيما من الأخلاق، ونزوعا إلى العقلانية والروح النقدية، وهي أمور ليس من السهولة توفرها ولاسيما في العلوم التي تتخذ الحقائق البشرية موضوعا لها.
- الحاجة إلى الثقافة الواسعة: يجب على العالم أن يكون ملما بكل ما يعينه على فهم موضوعات علمه، وإذا كان هذا ينطبق على جميع العلماء، فإنه ينطبق على علماء السياسة بكيفية خاصة، لأن السياسة كما قلنا ظاهرة اجتماعية تتقاطع معها كل الظواهر الاجتماعية الأخرى. حسب بعض الباحثين، فإن خصائص التفكير العلمي تتمثل في:
- التراكمية؛
- التنظيم؛
- البحث عن الأسباب؛
- الشمولية واليقين؛
- الدقة والتجويد.[4]
3-المنهج العلمي:
تشتق كلمة “منهج” من “نَهَجَ” أي سلك طريقا معينا، وبالتالي فإن كلمة “المنهج” تعني الطريق والسبيل، ولذلك كثيرا ما يقال بأنّ “طرق البحث” مرادفة ل”مناهج البحث”.
ترجع كلمة “منهج” باللغة الفرنسية أو الإنجليزية إلى أصل يوناني « methodos » وتعني البحث أو النظر أو المعرفة، والمعنى الاشتقاقي لها يدل على الطريقة أو المنهج الذي يؤدي إلى الغرض المطلوب.
وبشكل عام، يشير مفهوم المنهج إلى مجموع القواعد، والخطوات، والإجراءات التي يعتمدها العلم للتوصل إلى فهم مواضيع دراسته. بمعنى آخر: المنهج هو الطريقة التي يعتمدها الباحث للوصول إلى هدفه المنشود، ووظيفته في العلوم الاجتماعية هي استكشاف المبادئ التي تنظم الظواهر الاجتماعية، والإنسانية بصفة عامة، وتؤدي إلى حدوثها حتى يمكن على ضوئها تفسيرها وضبط نتائجها والتحكم بها. يستعمل العلماء العديد من الطرق أثناء قيامهم بالاكتشافات وتطوير النظريات، وتشمل هذه الطرق:[5]
1-مشاهدات الطبيعة؛
2-تصنيف المعلومات؛
3-استعمال المنطق؛
4-إجراء التجارب؛
5-صياغة الفرضية؛
6-التعبير عن النتائج رياضيًا؛
وبصفة عامة يراد بمنهج البحث العلمي ـ في أي فرع من فروع المعرفة البشرية ـ الطريقة التي يتبعها العقل في دراسته لموضوع ما، للتوصل إلى قانون عام أو مذهب جامع، أو هو فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا بحيث يُؤدي إلى كشف حقيقة مجهولة، أو البرهنة على صحة حقيقة معلومة. وقد تراوحت طرق البحث العلمي منذ اليونان حتى اليوم بين المنهج الاستنباطي (العقلي) الذي اعتمده أفلاطون، والمنهـج الاستقرائي (التجريبي) الذي اعتمده أرسطو (دون أن يستطيع التحرر من المنهج الاستنباطي). والتاريخ المنهجي للمعرفة بشكل عام منذ عصر هذين الفيلسوفين حتى عصرنا الحديث هو قصة الصراع بين هذين المنهجين ومحاولة التوفيق بينهما بكيفية تضمن للمعرفة أن تصبح يقينية برهانية، غير أن هذا لم يُلغ تشكل العديد من المقاربات المنهجية الأخرى التي تقوم بنفس الدور والوظيفة، وتساعد في بناء النظريات العلمية.
4-النظرية العلمية
كثيرا ما يتم استخدام مفهومي النظرية والمنهج بمعاني ودلالات متشابهة أو متداخلة، ويعود ذلك إلى غموض مفهوم النظرية، إذ لطالما تم التعامل مع هذا المفهوم بطريقة حماسية مرتجلة خاصة من قبل رواد العلوم السياسية، حيث كان يتم تعريفه بمفاهيم أخرى على اعتبار كونه مرادفا لها من مثل: النموذج، المنهج، الاقتراب، التعميمات، الافتراضات، بل وحتى القانون… إلخ. وهذا الأمر يدل على ما يمثله مفهوم النظرية في عالم معرفة الإنسان وفكره، الذي تداخلت فيه المفاهيم، واختلطت بصورة تستلزم التدقيق والتحديد، في سبيل تحرير مفهوم النظرية وتحديده.
يعرّف مفهوم النظرية إبستيمولوجيا ب”theorein” الذي يعني حرفيا “يرى” ومن تم فنظرية تعني “vision”. والنظرية توجد في العلم كما في الفلسفة على حد سواء، وأحيانا تستخدم للدلالة على الشيء الأعلى فكريا أو المجرد “abstrait”. ويكاد ينعقد الإجماع بين عموم المدارس العلمية على تعريف النظرية بأنها ذلك النسق من المقولات المترابطة منطقيا، وشبكة من التعميمات الاستدلالية من خلالها يمكن اشتقاق تفسيرات وتنبؤات لمعنى أنماط معينة من الأحداث المعروفة جيدا. أو هي مجموعة من الافتراضات المجردة والعلاقات المنطقية التي تحاول شرح وتفسير كيفية حدوث ظاهرة معينة.[6]
تشير معظم الكتابات التي تتطرق لمفهوم النظرية إلى عمليتين متلازمتين هما: عملية بناء النظرية وعملية اختبار النظرية، غير أن ثمة خلافا حول مسألة بناء النظرية، حيث يرى البعض أن النظرية لابد أن تبنى على أسس أمبريقية (الملاحظة والتجربة)، في حين يذهب آخرون إلى اعتبار النظرية بها وحدات لا يمكن أن تتأسس على الملاحظة والتجربة فحسب، إذ الأفكار والفروض والمفاهيم قد تكون نابعة من الواقع ولكنها مستقلة عنه في نفس الوقت، لأن الواقع متغير ونسبي ومتحول بصورة تفقد الملاحظة موضوعيتها ومصداقيتها، إذ ليس هناك ضمان على أن النظريات التي بنيت على الملاحظة صحيحة وتمثل الحقيقة بدقة.
وبغض النظر عن الخلاف حول مصدر بناء النظرية، ووزن الأبعاد الأمبريقية في ذلك، فإن اختبار النظرية واستخدامها أمر مردُّه الأخير هو الواقع الأمبريقي، لأن النظريات لا يحكم عليها بالصواب وبالخطأ بقدر ما ينظر إلى صلاحيتها وقدرتها على التعامل مع الواقع بصورة ناجحة أو العكس. ولذلك ركز غراهام كنلوش Graham Kinloch على ضرورة تناول عمليتي بناء النظرية واختبارها في نسق واحد، وهذا الأخير ينتظم وفق خطوات مرتبة تصاعدية، لتؤثر الخطوة السابقة في الخطوة اللاحقة وتكون محددة لها، وذلك كالآتي:[7]
- أساس بناء النظرية هو وجود نموذج معرفي “Paradigme” تتأسس عليه مسلماتها، ويمثل إطارها ومحيطها أو ما يطلق عليه ما وراء النظرية Metatheory؛
- بناء مفاهيمي واضح ومحدد ومتسق مع النموذج المعرفي ونابع منه؛
- نمط من العلاقات المنطقية بين هذه المفاهيم محدد الأنواع، تكون فيه علاقات بديهية أو حقيقية، وتكون إما إيجابية أو سلبية؛
- المفاهيم والمقولات بالعلاقات تحتاج إلى تعريفات إجرائية في شكل متغيرات، وكل متغير يحتوي على العديد من المؤشرات؛
- منهجية إمبريقية لاختبار العلاقات المفترضة بين المتغيرات والمؤشرات، مثل المسح الاجتماعي أو الملاحظة بالمشاركة أو المقابلة، أو التحليل الرياضي، أو التجربة العملية؛
- تحليل المعلومات باستخدام التحليل الكمي أو الكيفي؛
- التفسير ثم التقويم على ضوء الفعالية والقدرة على التنبؤ، وطرح النتائج على النموذج المعرفي لتأكيد النظرية أو لتعديلها.
إن دور النظرية محدد في كونه مرشدا للبحث ومعينا في الوصول إلى أقرب نقطة من الحقيقة، وفي سبيل ذلك تقوم النظرية بوظائف أساسية تتمثل في التعريف، والوصف، والتفسير. وإذا كانت هذه وظائف النظرية، فإن معايير تقويمها لا تتحدد في مدى صوابها من خطئها، وإنما بمدى قيام تلك النظرية بالوظائف التي أشرنا لها سلفا، ومدى فائدتها في الشرح والتفسير، وقدرتها على تحقيق الوضوح خصوصا في المفاهيم والمصطلحات، والاتساق الداخلي وعدم التناقض بين المكونات، والملاءمة الأمبريقية، ثم الملاءمة التفسيرية.
وأخيرا، تصنف النظريات وفق معايير مختلفة تجعل من الصعب الجمع بينها أو إعادة ترتيبها، لأن معظمها صنف طبقا لمعايير متداخلة وغير ثابتة، وقد حاول ديفيد إيستون David Easton تقديم تصنيف قائم على ثلاثة أقسام هي:
- التعميمات الأمبريقية: هي نظرية تتكون من مفهومين أو أكثر في مقولة هامة مثبتة في الواقع وقد يصل هذا التعميم إلى مستوى التجريد؛
- النظريات الوسيطة: هي مجموعة من التعميمات المترابطة التي تشرح جانبا محددا من العملية السياسية (مثل: سيكولوجية الانتخابات)؛
- النظريات العامة: تقدم بناء تفسيريا كاملا للواقع السياسي، وقد قرر ديفيد إيستون أن التعميمات الأمبريقية تمثل الهرم، بحيث تعلوها مجموعة من النظريات الوسيطة، وعلى القمة النظريات العامة.
مراجع مهمة:
- أبراش إبراهيم، المنهج العلمي وتطبيقاته في العلوم الاجتماعية، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، عمان-الأردن، 2009.
- عباش عائشة وآخرون، منهجية البحث العلمي وتقنياته في العلوم الاجتماعية، مؤلف جماعي، عن المركز الديمقراطي العربي، برلين-ألمانيا، 2019.
- عبيدات ذوقان وآخرون، البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، عمان، 1996.
- غرافيتز مادلين، مناهج العلوم الاجتماعية، ترجمة سام عمار، دمشق، 1993.
- عاطف محمد، “إبستيمولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي، النظرية، المنهج”، بيروت، مجد المؤسسة للدراسات والنشر، 2002.
- ناجي عبد النور، منهجية البحث السياسي، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ط2، عمان، 2011.
- عيشي نادية وآخرون، منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية، مؤسسة حسين رأس الجبل للنشر والتوزيع، الجزائر، 2017.
- وحيد دويدي رجاء، البحث العلمي سياسته النظرية وممارساته العلمية، دار الفكر، دمشق، 2000.
[1] جدير بالإشارة إلى أن هناك نماذج أو أصناف مختلفة من “المعرفة” تقابلها طرق خاصة من التفكير ونماذج من “القول/الخطاب” الخاصة بها. فهناك معرفة أسطورية ويقابلها نمط “التفكير السحري أو الأسطوري” وهناك معرفة لاهوتية “ويقابلها نمط التفكير الديني”، وهناك معرفة فلسفية ويقابلها نمط التفكير الفلسفي المثالي والميتافيزيقي”، ثم هناك “المعرفة العلمية” ويقابلها نمط “التفكير العلمي”. أنظر، وزارة التربية الوطنية، الفكر الإسلامي والفلسفة، منشورات مكتبة المعارف، الرباط، طبعة 1982،1983، ص240.
الهوامش
[2] الموسوعة العربية العالمية النسخة الالكترونية، انظر الرابط التالي: http://www.mawsoah.net/maogen.asp?th=0$$main&fileid=start
[3] توفيق الطويل، أسس الفلسفة، الطبعة السادسة، 1976، ص: 200 وما بعدها.
[4] فؤاد زكريا: التفكير العلمي؛ سلسلة عالم المعرفة؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، العدد 3، مارس 1978، الفصل الأول: سمات التفكير العلمي، ص: 15 وما بعدها.
[5] نادية عيشي، منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية، مؤسسة حسين رأس الجبل للنشر والتوزيع، الجزائر، 2017، ص:51-52.
[6] – رجاء وحيد دويدي، البحث العلمي سياسته النظرية و ممارساته العلمية، دار الفكر، دمشق، 2000، ص: 21.
[7] عامر مصباح، منهجية البحث في العلوم السياسية والاعلام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2017، ص:19.