تقديم
طرحت الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ وغيرها من مباحث المعرفة سؤال الهوية كموضوع جدير بالنقاش، ذلك أن سؤال الهوية أضحى ذا طابع إشكالي في مجتمعاتنا المغاربية وخصوصيتها الثقافية والتاريخية والسياسية، فأصبح الحديث عن الهوية قضية نظرية وعملية في آن واحد، تأخذ صورتين بين الأحادية والاختلاف.
إن الحديث عن الهوية هو حديث عن مجموع المحددات والخصائص الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي من خلالها تتحدد شخصية الإنسان وبها يُقدم ويتعرف عليه الآخرون ويتعرف أيضا على نفسه، إنها مجموع الخصائص الثابتة التي تجعل من الشخص هو هو، وتمكنه من الشعور بوجوده كشخص في جميع أدواره ووظائفه، كما أنها تمكنه من الاندماج مع الآخرين والتعرف عليه من طرفهم. بين الأنا والغير حديث هوية أي روابط وعلائق توحد وتجمع بين جماعة، وهو أيضا حديث عما يفرق ويميز، إنها لوحة على خريطة جغرافية وسياسية لكنها أيضا خريطة ثقافية. إن قول أسكار وايلد “معظم الناس هم أناس آخرون: أفكارهم هي آراء أشخاص آخرين، حياتهم محاكاة وعواطفه اقتباسات” تعكس الطابع الإشكالي لمسألة الهوية الأحادية وتزيل اللثام عن الهوية المتفردة. صحيح أن المجتمعات المغاربية تتشابه من حيث البنية، مشكلة وحدة، لكن أجزاء البنية مختلفة ومتعددة مما يذيب معه الحديث عن وهم الهوية الأحادية على المستوى النظري والعملي.
تأتي هذه الدراسة لتغني النقاش حول مسألة الهوية الثقافية المغاربية بين الأحادية والتعدد من خلال وضع مقارنة وإجراء تحليل ينبني على الدقة العلمية لفهم صحيح لإشكالية الهوية وتحديد أبعادها الثقافية بين الأحادية والتعدد لهذا وقع اختيارنا على هذا الموضوع.
تمهيد:
كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت قضايا الهوية وسعت جاهدة إلى طرح نقاش الهوية لرفع اللبس عن أزمة الهوية في المجتمعات المغاربية، فقد وجدت المجتمعات المغاربية اليوم نفسها وجها لوجه أمام عالم تحكمه التقنية بل اكتسحته، مما نتج عنه غياب الاختلاف وسيادة الأحادية، فغدا الفكر اليوم كوكبيا كونيا. إن الكونية لا هوية لها بل أضحت محدد الهوية على هذا النحو للمجتمعات المغاربية بالخصوص، الانخراط فيها من عدمه ليس مسألة اختيار إرادي حر، وإنما قدر تاريخي فرضته التحولات التي ساقتها العولمة. لقد بقي فكر الإنسان في المجتمعات المغاربية يعيش بين ثنائية تحكمه لا يدرك ذاته إلا من خلالها، لازمت بنيته العقلية المعممة في الوعي والعقل والممارسة: وهي ثنائية الحديث والقديم، الأصولي والمعاصر، الديني والعلماني… عمل العقل المغاربي على إعادة إنتاج هذه الثنائية فتمت تغذيتها من طرف الفاعل السياسي غير أن تجاوز هذه الثنائية التي يقبع فيها العقل المغاربي يقتضي طرحها للتحليل التاريخي والسوسيولوجي، والتسلح بمنهج علمي صارم للبحث عن مصدرها في الوعي والواقع في ارتباطها بمتغيرات الحياة الاجتماعية والسياسية.
وجدت المجتمعات المغاربية نفسها بين مسألة الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالمية، خلق ذلك سجالا يعكس استمرار أزمة الهوية بين الخصوصية والانفتاح الذي نتج عنه وعي بضرورة إدراك التناقضات الداخلية والاعتراف بها حتى لا يتحول الوعي إلى وعي تجديد الاستلاب. إن الإقرار بالتناقض هو اعتراف بالاختلاف، اختلاف الثقافات، الحضارة، اللغة، الجنس… الهوية المتفردة ليست في ذاتها هوية فريدة ومتمسكة، لأنه إذا كانت ذاتي الباطنية متشظية لسبب ما، كوني أجمع بين أصول عربية، أمازيغية، صحراوية، إسلامية، اشتراكية … سأكون عاجزاً عن الحديث عن ماهيتي بالضبط بل سأكون في الحالة المرضية المعروفة بانفصام الشخصية، إن لم أكن قادراً على تعريف نفسي وأن أكون مدركا لهويتي الفردية إذا لم أصبح مدركا للآخرين مثلي.
إن سؤال الهوية يرتبط بشكل وثيق بالبنية الفكرية للمجتمعات المغاربية، وقد عرفت تحولات جذرية في بنيتها الفكرية، ترتب عن ذلك طرح سؤال الهوية ضمن مقاربة شاملة في ضوء المتغيرات السياسية والثقافية والتاريخية، وانخراطها في منظومة العولمة دون طمر التراث التاريخي المشكل للنسيج الثقافي، على ضوء ذلك نتساءل:
ــــ إذا كانت الهوية قضية نظرية وعملية فبأي شيء تتميز؟ ما الذي يجعل من الهوية قضية مشكلة في مجتمعاتنا المغاربية؟ هل الهوية قضية سياسية أم تتجاوزها إلى الثقافة والدين واللغة والجنس؟ هل من معنى لسؤال الهوية في مجتمع تجاوز الخطوط المرجعية ويسعى نحو الكونية؟هل نضج الوعي بالاختلاف أم مازلنا نسعى نحو أحادية الذات والهوية؟
يعد سؤال الهوية في المنطقة المغاربية سؤالا إشكاليا يقتضي الأـمر مقاربته من زوايا مختلفة، سياسية وسوسيولوجية وتاريخية. في ضوء هذا النقاش تأتي هذه الدراسة والتي نسعى منها إلى:
- ضرورة الوعي بخصوصية الهوية المغاربية بين الأحادية والاختلاف.
- ـضرورة تشكل وعي بالِانفتاح على الغير والسعي نحو الكونية والاعتراف بالآخر كوعي.
- الهوية الأحادية تضم أبعاد مختلفة ومقتبسة من ثقافات أخرى تعاقبت عبر التاريخ.
المحور الأول: نحو فهم صحيح للهوية: مقاربة مفاهيمية:
من القضايا التي أثارت نقاشا كبيرا في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا المغاربية بالخصوص هي قضية الهوية، حيث أضحت القضية الأولى والشغل الشاغل لمجموعة من الباحثين والمثقفين والفاعلين السياسيين فاختلفت زوايا المقاربة مما جعل موضوع الهوية موضوعا جديرا بالاهتمام، فانقسم خلالها النقاش حول مسألة الهوية حتى بدا الأمر وكأنه يتعلق بصدام بين أطراف لا تنتمي إلى نفس الجنس والعرق والدين واللغة والمصير المشترك. انقسام يدفعنا إلى إعادة طرح سؤال الهوية من أجل فهم صحيح لمسألة الهوية في المجتمعات المغاربية. ولا يبدأ ذلك إلا من خلال تأصيل دلالات المفهوم وأبعاده.
إن سؤال الهوية هو في حد ذاته سؤال الإنسان، وتقع الهوية في قلب الصراع الهادف إلى صياغة تعريف نهائي للإنسان، لذا أضحى سؤال الهوية هو سؤال الثقافة والتاريخ واللغة والعرق والسياسة، بقدر ما شغل سؤال الهوية الفلسفة شغل السوسيولوجية والتاريخ والأنثروبولوجية وعلوم السياسة، فأصبح النظر إلى الهوية قضية نظرية كلية مركبة تستوجب توضيح أبعادها ودلالات تكونها. يبدو أن مفهوم الهوية بسيط إذا نظرنا إليه من زاوية ظاهرية، لكنه مفهوم معقد الدلالة يضعنا أمام إشكالات حقيقية.
يقصد بمفهوم الهوية ما نوجد عليه على نحو فردي وما نريد أن نكون عليه، على معنى ما يميز خصوصيتنا والكيفية التي نتمثل بها هذه الخصوصية معا، بعبارة أخرى الكيفية التي يتعين بها كل فرد على حدة، والتي يحقق التطابق بها في ذات الوقت مع معايير عامة وينتسب إلى جماعات محددة[1]. إن الهوية ليست كيانا يعطى دفعة واحدة وإلى الأبد، إنها حقيقة تولد وتنمو وتتطور وتتغير وتنسج وتعاني من الأزمات الوجودية للاستلاب[2]. إذن ترتبط الهوية بالبحث عن الذات والكينونة، لذا فهي كل ما يجعل من الشخص هو هو، أي ذلك الجوهر الثابت فيه الذي لا يتغير.
نستطيع القول أن حد الهوية في الإنسان، وحد الإنسان في الإنسان نفسه، أي أننا نجد في كل فرد جزئي يحمل هوية، ما هو كل فردي ـــ بصفة عامة ـــ يحمل كذلك النحن[ المجتمع] في ذاته[3]، فتنصهر الذات مع النحن[4]، إن قول امارتيا صن “معظم الناس هم أناس آخرون” عبارة أعلنها أوسكار وايلد بدت كأحجية تؤسس لوهم الهوية لكنه دافع عنها بالقول “أفكارهم هي آراء أشخاص آخرين، حياتهم محاكاة وعواطفهم اقتباسات”[5]، يدفعنا إلى محاولة فهم صحيح للهوية، أي وعي الذات بالذات وهنا نكون أمام حد الهوية عند ابن سينا هي معرفة الذات بالذات[6]؛ أي الإقرار بمبدأ الهوية كمبدأ يرتبط بالتاريخ والمجتمع ويقودنا إلى الإقرار بمبدأ التنوع والتعددية، عليه يمكن أن يتحول وعي متعمق منذ النشأة بالهوية المشتركة مع جماعة من الناس إلى سلاح قوي يوجه ضد جماعة أخرى، وعلى هذا النحو تكون الهوية قضية جمعية ذات بعد سياسي وهو الأمر الذي يضعنا أمام تأويلان أحدهما يدفعنا إلى أن نتحدث كثيرا عن الهوية، لأنها صارت تنتمي إلى الماضي وكانت تشير إلى تعريف إنساني يظل به العمل وهو تعريف للإنسان لم تنجح أن تنفصل عنه ويكشف عن تمثلاته[7]، فالهوية ترجع إلى الشخص وتقوم على آليات داخلية أكثر مما تقوم على الِانتماء فكثيرا هم الذين يتحدثون عن الهوية بهذا المعنى. وهو ما يخلق نوعا من الوهم المتفرد بالهوية[8] ويخلق نوعا من التناقض الذي يميل إلى إنتاج العنف وممارسته، فتغدو الهوية حقلاً ملائماً لنمو العنف وسبيلا لممارسته، هذا ما يجعلنا نقر بمسألة أزمة الهوية أو كما سماها أدونيس بـ: جرح الهوية[9].
إن تجاوز أزمة جرح الهوية ينطلق من الوعي بالهوية بل معنى الهوية في تداخلها بمعنى الجوهر والماهية والإنية، ذلك أن الإنية تقيم داخل الغيرية، كما أن الأنا تحمل الغير في ذاتها[10]. إن اختزال الهوية بما كانت عليه الإنية وخلق وهم بماضيها وتمركزها عليه لم ينتج إلا العنف الذي يظهر من حين لآخر، ذلك أن مستقبل الهوية قائم في الماضي ومرهون بإمكان استعادته. ليست الهوية كينونة مصممة أو مضروبة على خصائص ثابتة، بل هي ذات طابع حركي يؤلف بين الثبات والتغير، الوحدة والتعدد، وبين التماثل والإختلاف[11].
لقد ظل فكرنا المغاربي حبيس ثنائية ولا يرى نفسه إلا من خلالها وهي ثنائية معممة في الوعي، العقل، الممارسة[12] وهي ثنائية الحديث والقديم، السلفي والمتجدد، العربيو الأمازيغي، الأصولي والمعاصر…، إن الالتزام بطرف وإقصاء الآخر، يعمق من جراح الهوية ينتج وعيا بنفي الآخر بل يقصيه ويضعه على خط المواجهة، فقد تبنى الفكر المغاربي هذه الثنائية كواقع ثابت حيث عمل على إعادة إنتاجها وفق شروط لا تتماشى مع طبيعة السياق العام[13]، تعجز معه الإيديولوجية على تقديم مداواة جرح الهوية، بل تعتبر بعض الأطراف أن الإيديولوجية هي سبب أزمة الهوية، فهي تعمل على الحفاظ على جرح الهوية لخدمة مصالحها، أداة فعالة تستخدمها في إدارة الصراع وتصريف الأزمات الداخلية وتحقيق الضبط والتوازن السياسي.
يبدو أن فهم أزمة الهوية ينطلق من الوعي بجرح الهوية، لا يمكن أن نضع مقاربة صحيحة لمسألة الهوية إلا في إطار التفاعل مع الآخر وقبول الغير بعيدا عن نظرية المؤامرة.
لقد تشكل وعي تاريخي بالهوية المغاربية بأبعادها الثقافية الدينية اللغوية العرقية، أدرك معه المغاربة مكر الساسة، فتم طرح مسألة الهوية للنقاش وعرض عناصر تشكلها التاريخي وتم تشخيص مشكلة الهوية المغاربية بعيدا عن الوعاءات الإيديولوجية وقوالبها الجاهزة التي احتضنت نقاش الهوية ومأسسته إيديولوجيا.
يكون الإنسان بهوية يحملها قدرا، مقذوفا إليه بحكم انتماء حدث بغلبة الظرف وقرار اللحظة، ويحدث للمرء أن ينتبه عن ذاته حين لا يرتضي انتماء يكون قد اختاره بقرار، فينقلب الانتماء حرية تدعو إلى استحداث موقع جديد يضفي المعنى على هوية أصبحت من إنشاءه[14].
- المحور الثاني: الهوية الثقافية بين الأحادية والاختلاف :
إذا كان الحديث عن الهوية هو حديث عن المحددات والخصائص والمميزات، أي حديث عن الروابط والعلائق؛ أي ما يوحد ويجمع ويضم وفي نفس الوقت ما يفرق ويفصل ويميز، إنه محاولة رسم على خارطة جغرافية سياسية لكنها خارطة ثقافية[15]، إذا كانت الهوية الثقافية تعكس الرغبة في الاعتراف من طرف ذات أخرى تحمل هوية مختلفة فإن الهوية الثقافية تشتغل وفق جدلية الأنا والغير، تتجاوز فيها الذات تمركزها وتفردها لتنفتح على الآخر كآخر، تشبهني وتختلف عني، تحمل هوية ذاتية تحتاج فيها للاعتراف مثل حاجة الأنا لذلك.
إن التحدي الذي يواجهنا الآن كذوات منخرطة في عالم بلا حدود، عالم يسود فيه التنميط والأحادية، حتى بدا فيه الفكر كوكبيا، كونيا، هو المفارقة: كيف تكون الذات واحدة ومتعددة؟ كيف تكون الأنا ذات وغير في الآن نفسه؟
إن التغني بالهوية الأحادية أو الجاهزة كوحدة منغلقة تعتمد على منطق الذاتية في عالم أضحى بلا حدود فاصلة بين الشعوب وبين الإنسان وشبيهه الإنسان ليس إلا وهم متفرد بالهوية، إن تمركز الذات تنتج لها وهم تفردها وهذا هو أصل النزاعات في العالم، التقوقع حول الذات ونفي الآخر بذريعة اللغة أو الدين أو العرق …هي بداية بناء فن الكراهية للغير والعداء له الذي يتحول إلى عنف مصنوع داخل الوطن الواحد أو يوجه للغير خارج الوطن ـــ كمركزية الغرب اتجاه الشعوب الأخرى خاصة المسلمين كنموذج ـــ إرهابا وهيمنة على مستوى كوكبي .في الحقيقة إن الهوية لا تكتمل إلا بوجود الآخر كذات تعترف بهوية الأنا، غير أن اكتمال بناء الهوية لا يتم إلا بحضور الغير [16] ، فالذات تجد نفسها منذ ولادتها أمام الآخرين بوضع سجل هوية لها،ينتسب إليها، وترتب ضمن النظام الاجتماعي ويعين له مكان في المجتمع، هذا الآخرين جند وعبأ دون موافقته، بل دون أن يسأل، يحمل إسم، يتكلم لغة ومحشور في جماعة … إن بنية الأنا تحتاج إلى الغير لنقلها من وضعية الكائن إلى الشخص ـــ هذا ما سماه عبد العزيز الحبابي و إمانويل مونيي بالشخصنة وهي عملية تحرر الذات من كل القيود والإكراهات عن طريق الوعي ــــ ذلك ما يجعلنا نقلل من نزعات التمركز الذاتي والإقصائي والإلغائي .
إذا أقررنا بأن الهوية نسق منفتح له مكونات أساسية ثابتة بها تحدد خصائصها ومقوماتها ولها متغيرات هي جسور وتخوم تواصل وتفاعل وتلاقح بين الهويات المختلفة إمدادا واستمدادا [17]، بذلك فإن خصائص الذات يشترك فيها مع الغير مما يجعل حديثنا ينتقل بالهوية من الأحادية إلى الاختلاف والتعدد . لقد بلورة العولمة الفكر البشري وجعلته كوكبيا بفضل التقنية وسيادة التنميط والأحادية العالمية، ألغت معها أي حديث عن خصوصية الذات وتفردها عن الغير، فأصبحت الكونية اليوم لا هوية لها، بل أضحت محدد الهوية، فالانخراط فيها من عدمه ليس وليد قرار إرادي للفرد يتخذه فاعل سيكولوجي، أو هوية ثقافية بل قدر تاريخي يرمي بالإنسان اليوم في الكون و الفكر الكوني [18].
إن التعدد والتنوع سمة الهوية في مجتمعاتنا المغاربية اليوم، بحكم تنوع بنيتها الثقافية من جهة وبحكم انفتاحها على الثقافات العالمية من جهة ثانية،وانخراطها المباشر في العولمة، إن الاختلاف سمة واردة في الهوية الواحدة بل إن الوحدة تحتوي على التناقض والاختلاف، فالفكر الغربي منذ هيغل أقر بهذه المسألة بل إن الاختلاف هو سمة الهوية الواحدة،برز ذلك مند أفلاطون في اليونان قديما، حينما قسم المجتمع لثلاث طبقات، يذل ذلك أن الوحدة تحوي اختلافها في ذاتها . والاختلاف يذل على التنوع والتعدد والتعارض كما التناقض باعتباره جوهر تقوم عليه البنية الواحة ويشد من تماسكها وبقائها يقول هيجل ” إن التنوع والتعدد لا ينتعش ويحيَ إلا إذا ذهب به إلى حد التناقض ” [19]، الاختلاف داخل الهوية في المنطق الهيغيلي تقوم من حيث معارضة الغير [ الإيجاب والسلب : مخالف من أجل ذاته لكونه ليس إيجابا، الإيجاب علاقة التطابق مع الذات كونه ليس سلبا ]، لهذا يقوم مبدأ الهوية على التناقض [20]، ليس التناقض أكبر اختلاف بالنسبة للتطابق بدلالاته [21]. إن الاختلاف ينخر بنية الكائن الإنساني ويصدع الهوية ، أما التمييز فيتم بين الهويات المتباعدة . الهوية المغاربية هي هوية مشتركة ذات طابع مركب، تجمع بين اللغة والتاريخ والدين والعرق والثقافة …وغيرها من المكونات المنسجمة فيما بينها التي تطبع هويتنا المغاربية، على الرغم من الرواج الكبير لمفهوم الاختلاف بدلالاته السياسية التي تسعى لتعميق جرح الهوية . إن الإقرار باختلاف الثقافات ليس إلا إقراراً بالتمايز الذي يمكن أن يسقطنا في سلب هوية الأنا للغير،هذا مانبهنا إليه المفكر عبد الكبير الخطيبي حين قال” آن الأوان أن نحاول البحث عن شيء آخر مادامت لعبة الغرب قد انتهت فينا ” [22]فمنطق العقلانية العلمية للغرب جعل المجتمعات المغاربية تلج عصر التقنية بفكر لاهوتي، جعل الشخصية المغاربية تصطدم بحقيقة التقنية . بجرأة كبيرة طرح عبد الكبير الخطيبي مشروع الهوية الكونية كهوية حبلى بقاموس التعدد والاختلاف وهو نفس الهاجس الذي حمله محمود عابد الجابري في كتابة نحن والتراث، مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب ” … وغيره من الباحثين أن بنية المجتمع المغاربي تتميز بالتعدد والاختلاف، فالهوية تحمل ماضيها في أعماقها مليئا بالتنوع والتعدد .
الهوامش:
[1] ــ إمانويل رينو، التصورات الأوربية للهوية، سلسلة مفاهيم عالمية: من أجل حوار الثقافات، جماعة من المؤلفين، المركز الثقافي العربي، البيضاء، الطبعة الأولى 2005.
[2] ــ إليكس ميشيلكي، كتاب الهوية، ترجمة علي ولفة، دار الوسيم للخدمات والطباعة، دمشق، 1993.
[3] ــ أنطونيو غرامشي، دراسات ومختارات ومنشورات، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 1992.
[4] ــ نربرت إلياس، مجتمع الأفراد، 1991.
[5] ــ إميرتا صن،الهوية والعنف، وهم المصير الحتمي، ترجمة توفيق سحر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة عدد 352، يونيو 2008.
[6] ــ عبد الحق لبيض، ندوة الهوية وقضايا العيش المشترك.
[7] ــ إمانويل رينو، المرجع السابق.
[8] ــ إميرتا صن، نفس المرجع السابق.
[9] ــ مدارات ألف شارع وشارع، جريدة الحياة اللبنانية 31 ـ 07 ــ 2008
[10] ــ حاتم الورفلي، بول ريكور، الهوية والسرد.
[11] ــ سليطين وفيق، سؤال الهوية ونقد منطق الخصوصية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات
[12] ــ برهان غليون، أزمة الهوية مجلة الحوار العدد الثالث السنة الأولى، خريف 1986.
[13] ــ برهان غليون، المرجع السابق.
[14] ـــ تشارلز تايلور، منابع الأنا، تكوين الهوية المعاصرة.
[15] ـــ عبد السلام بن عبد العالي، ضد الراهن، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء الطبعة الأولى 2005.
[16] ـــ محمد عزيز الحبابي،من الكائن إلى الشخص، دار المعارف 1962
[17] ـــ ذ سعيد الشبار، الهويات وصراع القيم، منظور إسلامي لبناء مشترك إنساني، سلسلة محاضرات شهرية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال
[18] ــ عبد السلام بن عبد العالي، ضد الراهن، دار توبقال،الدار البيضاء الطبعة الأولى 2005
[19] ــ هيغل، المنطق الجزء الثاني، ص 2
[20] ــ مصطفى قشوح، الهوية والاختلاف عند مارتن هايدجر، أنفاس
[21] ــ جيل دولوز، الاختلاف والتكرار
[22] ــ عبد الكبير الخطيبي، المغرب العربي وقضايا الحداثة .
قائمة المراجع :
[1] ــ إمانويل رينو، التصورات الأوربية للهوية، سلسلة مفاهيم عالمية : من أجل حوار الثقافات، جماعة من المؤلفين، المركز الثقافي العربي،البيضاء، الطبعة الأولى 2005
2 ــ إليكس ميشيلكي، ترجمة ذ علي ولفة، كتاب الهوية، دار الوسيم للخدمات والطباعة، دمشق
3ــ أنطونيو غرامشي، دراسات و مختارات ومنشورات، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1992
4 ـ نربرت إلياس ، مجتمع الأفراد، فايار 1991
5ــ إميرتا صن،الهوية والعنف، وهم المصير الحتمي، ترجمة توفيق سحر،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة عدد 352، يوينو 2008
6 ــ عبد الحق لبيض، ندوة الهوية وقضايا العيش المشترك
7 ــ إمانويل رينو، المرجع السابق
8 ــ إميرتا صن، نفس المرجع السابق
9 ــ مدارات ألف شارع وشارع، جريدة الحياة اللبنانية 31 ـ 07 ــ 2008
10 ــ حاتم الورفلي، بول ريكور، الهوية والسرد
11 ــ سليطين وفيق، سؤال الهوية ونقد منطق الخصوصية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات
12 ــ برهان غليون، أزمة الهوية مجلة الحوار العدد الثالث السنة الأولى، خريف 1986
13 ــ برهان غليون نفس المرج السابق
14 ـــ تشارلز تايلور، منابع الأنا، تكوين الهوية المعاصرة
15 ـــ عبد السلام بن عبد العالي، ضد الراهن، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء الطبعة الأولى 2005.
16 ـــ محمد عزيز الحبابي،من الكائن إلى الشخص، دار المعارف 1962
17 ـــ ذ سعيد الشبار، الهويات وصراع القيم، منظور إسلامي لبناء مشترك إنساني، سلسلة محاضرات شهرية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال
18 ــ عبد السلام بن عبد العالي، ضد الراهن، دار توبقال،الدار البيضاء الطبعة الأولى 2005
19 ــ هيغل، المنطق الجزء الثاني، ص 2
20 ــ مصطفى قشوح، الهوية والاختلاف عند مارتن هايدجر ، أنفاس
21 ــ جيل دولوز، الاختلاف والتكرار
22 ــ عبد الكبير الخطيبي، المغرب العربي وقضايا الحداثة .