مع تفشي فيروس كورونا وانتشاره في المغرب وبجميع أنحاء العالم، وما تداولته نشرات الأخبار ومنظمة الصحة العالمية حول العالم من إرشادات وطرق للوقاية من عدوى فيروس كورونا، قد يتحول الخوف من هذا الفيروس إلى اضطراب نفسي، خاصة عند إتباع النظافة بإفراط وليس بانتظام، عن طريق غسل اليدين أو ارتداء قناع طبي وعدم لمس الوجه والتطهير بالمعقم، قد تتحول هذه الأفعال إلى اضطراب “الوسواس القهري” أو ما يسمى ب “قلق الأفكار” الذي يدفع إلى فعل هذه الأفعال القهرية.
إن “الوسواس القهري” يطرح إشكالية العلاقة بين الحياة الانفعالية والحياة الفكرية أو الذهنية، وبإمكان أي إنسان التفكير في الأشياء التي يراها قريبة منه، وكذلك بطرد جميع الأفكار التي تبدو له عديمة الأهمية فيتجاهلها، وفي ذلك تعبير عن مشاعره وشخصيته، بحيث في أحيان كثيرة تسيطر على الإنسان أفكارا سيعمل على طردها من ذهنه، لكن في حالة “الوسواس القهري” يجد الفرد صعوبة في التخلص من هذه الأفكار التي تحاصره وتفرض سلطتها عليه، رغم إحساسه على أنها غريبة عنه وتكون تافهة وعديمة الأهلية، فيصبح رد فعله الشعور بالضيق، ومع مقاومته للأفكار الوسواسية التي تسيطر عليه يفضي ذلك إلى الزيادة من حدة القلق، وما يزيد من معاناة الفرد هو عدم الإفصاح عن هذا القلق الذي يلازمه.
إذن “الوسواس القهري” يتحدد في سيطرة فكرة على شخص ما، تفرض نفسها بقوة ضدا على إرادته، ويحاول بكل ما يملك من قوة التخلص منها وعدم الاستسلام لها، لكن دون جدوى، ليعيش في النهاية تحث السيطرة القهرية لهذه الأفكار (اسماعيل علوي 2019).
وهذا الاضطراب يرتبط بالفعل القهري الذي يكون إما عضليا أو حركيا (غسل اليدين عدة مرات، تنظيف المكان والأشياء،…) أو يكون ذهنيا كتكرار الأفكار والأحداث في الذهن، وما يمكن الإشارة إليه أن غسل اليدين سلوك طبيعي وعادي وكذلك تكرار هذه الأحداث، ولكن حينما يجد الإنسان نفسه مرغما على ذلك، كأن يغسل يديه 20 مرة قبل كل وجبة وأن يتردد في لمس الأشياء، فهذا ما يعبر عن طغيان هذه الأفكار وفعلها القهري(اسماعيل علوي،2019).
ولعل من بين الخاصيات الأساسية للسلوك القهري يجد الإنسان نفسه مضطرا لتكرار الأفعال القهرية والاستجابة للسلوكات الحركية والذهنية من أجل التخفيف من حدة القلق، اذا يحاول الفرد مواجهة وساوسه من أجل التقليص من معاناته بواسطة طقوس غامضة أو إجراءات سحرية، هذه الطقوس هي التي توجد سلوكات الوسواسيين وتمثل مخادعة للذات (عليوي،2019).
إن سلوك غسل اليدين كفعل قهري عضلي يكون مرفقا بأفكار وسواسية متعلقة بالنظافة والخوف من الإصابة بعدوى فيروس كورونا، وتكون عملية غسل اليدين المتكررة وسيلة للخروج من دائرة القلق، ومع استمرار انتشار فيروس كورونا يتوقع ارتفاع حالات الإصابة باضطراب الوسواس القهري وقد يستمر حتى بعد نهاية هذا الفيروس، بحيث تحول عملية غسل اليدين وتعقيم الأشياء والأماكن من عملية الوقاية من انتقال عدوى الفيروس وحماية الذات إلى رغبة ملحة غير مبررة، ويصبح فيروس كورونا هو كل ما نفكر فيه، وعلى الرغم من أنه ضروري إتباع قواعد النظافة، ولكن الإفراط في ذلك يؤدي إلى المرض، حيث يمكن أن يكون غسل اليدين كثيرا أو تطهير الأشياء مرارا وتكرارا علامة تدل على الوسواس القهري، وأ
إن تكرار الأفكار والأفعال الوسواسية بطريقة قسرية، ومقاومة المريض المستمرة، تولد لديه نوعا من الإجهاد والإنهاك النفسي، يتجسد في عدم قدرته على اتخاذ القرار أو فقدان الثقة والانتباه (عليوي، 2019)، ففي هذا الصدد نجد أن؛ “الشخص المصاب بالوسواس القهري سوف يغسل يديه حتى يشعر بالراحة وليس النظافة”، وبالتالي إن الوسواسي لا يشعر بالراحة إلا في:
– طقوس التكرار القهرية.
– أفعال الغسل والتنظيف القهرية.
– الترتيب والتنظيم القهري.
وفي هذا الصدد يتحدث *Beck* قائلا؛ ” الوسواس القهري عبارة عن أفكار تسلطية يجد الوسواسي نفسه مجبرا على تنفيذها”.
وهذه الأفكار التسلطية تتمظهر في شعور مفاجئ بوجود بعض الأفكار في ذهن الفرد بشكل مستمر، تسبب له الضيق، وتتضمن هذه الأفكار الشك في نوايا الآخرين وإخلاصهم والانشغال المستمر بوظائف أجهزة الجسم المختلفة والتوهمات المرضية والتردد في إنجاز الأعمال واتخاذ القرارات ولوم الذات. (Beck,2010, p.356).
وختاما يمكن القول أن من بين طرق علاج وتجاوز هذه المحنة النفسية، تحديد الأفكار الوسواسية والتغلب عليها، لأنها قد تؤثر عليه سلبا وتتحكم في توجيهاته وأفعاله، ومواقفه، كالسلوك المبالغ فيه والإحساس بوجود الخطر.
المراجع:
– علوي اسماعيل، محاضرات في العصابات والدهانات، 2019، طلبة الفصل الرابع، تخصص علم النفس، فاس.
– ٱرون بيك، العلاج المعرفي لاضطرابات القلق: العلوم والممارسة. 2010 نيويورك، مطبعة جويلفورد.
– عليوي عبد العزيز، محاضرات في العصابات والدهانات، طلبة الفصل الرابع، تخصص علم النفس، فاس.