توطئة:
تعيش الأسرة المسلمة اليوم واقعا متغيرا، تتسارع فيه المؤثرات الإعلامية والسياسية والاجتماعية لتعمل عملها في كيان الوجود الأسري اجتماعيا، وثقافيا، ودينيا، ونفسيا، وهي مؤثرات أفرزتها طبيعة التحولات المجتمعية وتشابك علاقاتها وتركيبها المعقد، فأضحت الأسر في مرمى هذه المؤثرات لتقوم بأدوار الأبوين في التربية والتثقيف والتعليم غير المباشر، بل ربما بشكل مباشر في كثير من الأحيان.
ومن هذه المؤثرات ما تشهده الساحة الإعلامية بتنوع وسائلها ووسائطها من تحول كبير على مستوى ثقافة الاستعمال والاستغلال، فبعد أن كان المقصود من التطور التكنولوجي تقريبَ البعيد، وتيسيرَ الشديد، وتطويعَ المعلومات والمعارف لخدمة الإنسان فردا وأسرة ومجتمعا، أصبحت هذه الوسائط، وخاصة في بعدها الشبكي مما يعرف اليوم بشبكات التواصل الاجتماعي، عائقًا أمام التواصل وحاجزا أمام الاجتماع، فألقى ذلك بظلاله على كيان الأسرة وأثر تأثيرا كبيرا في أدوارها التربوية بأبعادها المعرفية والشعورية والقيمية والمهارية، فعوض أن تنعم الأسر بالهناء والاستقرار أضحت تشكو مهددات الاندثار والتفكك أو التأزم في حال الاستمرار.
ولكي نضع الإصبع على محل الداء، فإن الأسرة اليوم ترزأ تحت وطأة ضغوطات نفسية متنوعة المشارب ومتعددة المظاهر، قد يكون لوسائل التواصل الاجتماعي أثرها في ذلك، لكن من الإجحاف حصر عوامل تردي أوضاع الأسرة في هذا السبب فحسب، ومن ههنا فإن هذا المقال يتوجه بالبيان والتدليل على مركزية التدين الرشيد في التوازن النفسي للأزواج، ومدى انعكاس ذلك إيجابا على الاستقرار الأسري، بما يعنيه هذا الاستقرار من معاني السكينة والمودة والرحمة والاستمرار الطبيعي السلس لصرح الأسرة بكل مكوناتها ووظائفها الرسالية.
أولا: التدين والأسرة:
لا بدمن التمييز (الدين) و(التدين)، فالأول عبارة عن وضع إلهي، والثاني عبارة عن تطبيق بشري ومقاربة واقعية للدين في جانبه السلوكي والعملي، ولهذا كان التدين هو الجانب الانفعالي والتفاعلي مع أحكام الدين المجردة، وتنزيلها في لبوس بشري قابل للمحاكاة.
وبهذا التقديم لمفهوم التدين ندرك بأن الأسرة بما هي أصغر تجمع بشري تعاقدي ومؤسسي هي المحضن الطبيعي والصحي للتدين، فمن خلالها يتلقى النشء مبادئ الدين فطرية صافية لا يشوبها دخيل، وخاصة إذا كان الأبوان حريصين على تلقينهم مبادئ الدين بطريقة سلوكية عملية مبناها على التأسي والاقتداء الشعوري واللاشعوري، وذلك لكون العلاقة بين الأبناء والآباء مبنية على التأثير والتأثر، فالأبوان يؤثران على الأبناء بصورة انسيابية جبلية وفطرية (القدوة، الأسوة، المثال، النموذج).
ومن ههنا فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلاقة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه»[1]، فتأثير الأبوين على الطفل تأثير بالغ يصل إلى حد تحديد هويته الدينية وانتمائه الحضاري، وهذا ينعكس مستقبلا على اختياراته الفكرية والقيمية إما إيجابا أو سلبا.
ونقصد بالتدين الرشيد تطبيقات معالم الدين على نحو سليم خال من التنطع والانحراف عن مقاصد الإسلام، وهذا الرشد الذي وصفنا به الدين أصل فيه وخصيصة له وجوهره الأول والأخير، ويدل لهذا نصوص من الوحي، منها:
قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، فدين الإسلام بمنطوق الآية مائل عن الباطل إلى الحق، متطابق مع الفطرة النقية التي لم يشبها دَرَنٌ، ثابت في أصوله، قيم في تشريعاته.
وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 1، 2]، أصل في كون الإسلام دينَ الاستقامة على الحق المبين، فهو وسَط بين الإفراط والتفريط، إفراط من خرجوا عن حدود الله تعالى فاستحقوا بذلك غضبه، وتفريط من ضلوا عن سبيل الله فتاهوا في غياهب العمى المنهجي وعاشوا التيه الوجداني.
فمن التزم شعائر الدين ومبادئه الأصيلة كان على هدى ورشاد في الطريقة، ولهذا كان أتباع الإسلام هم الأمة الوسَطَ التي شرفها الله وكلفها بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، «فالمراد بدين القيمة دين الإسلام، والقيمة: الشديدة الاستقامة»[2].
فالناظر في طبيعة الدين المتسمة بالاستقامة والصلاح والوسطية، يجدها خصائص متواترة على معنى كلي وهو الرشد والرشاد، ولذلك كانت دعوات الأنبياء والصالحين إلى دين الإسلام مرتبطة ببيان خصيصة الرشاد فيه، وهي خصيصة تنعكس إيجابا على معتنقيه، وتُلقي بظلالها الوارفة على حياتهم، من ذلك قول الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 38].
ثانيا: من معالم التدين الرشيد وانعكاسها على الاستقرار الأسري:
انطلاقا من الهدى المنهاجي لهذه الآيات وغيرها من النصوص النبوية، يمكن تلمس بعض معالم التدين الرشيد وأثرها الإيجابي على الصحة النفسية للزوجين، وانعكاس ذلك على استقرار الأسرة وتحقيق أهدافها المنشودة من تأسيسيها، وذلك في الآتي:
- بناء العلاقة الزوجية على الرابطة الدينية والخُلُقية.
وذلك لأن الأسرة في الإسلام مبنية على آصرة دينية وثيقة ومحكومة بضوابط شرعية وتربوية، منبعها شريعة الإسلام وأحكامه التي قصد الانضباط إليها في بناء صرحها المتماسك، بدءا بتصريح الإسلام بحلية الزواج وإباحته، وجعله من المزينات الحلال، ومرورا بأحكامه في علاقة الزوجين وحدودها وضوابطها الشرعية، وانتهاء بآدابه وأحكامه في انحلال عقدة الزواج.
لكن الإسلام راعى في الاختيار الأسري مبدأ الكفاءة في الدين ببعديه الوضعي والبشري السلوكي:
ففي جانب المرأة: روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك»[3].
أما في جانب الرجل: فقد روى البخاري عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا»[4]، وقد بوب البخاري لهذا الحديث ومثله بقوله: «باب الأكفاء في الدين»[5].
وفي سياق تشريعي متعلق بباب المهور – ليس ههنا محل التفصيل فيه- نص القرآن الكريم على طبيعة عقد الزواج بقوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء: 21]. فَوَصَفَ الارتباط الأسري بين الرجل والمرأة بأنه ميثاق غليظ، وقد أورد الإمام الطبري أقوال المفسرين في معنى الميثاق الغليظ، وجعله في معنى التعهد بالمعاملة الخيِّرة سواء في حال بقاء عصمة الزوجية أو في انحلالها، وهي معاملة مبنية على أصل الارتباط وهو الدين، من ذلك ما أخرجه ابن خزيمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة حجة الوداع: «(…) اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ»[6].
ومن النصوص المتصلة بعنصر التدين الرشيد والسليم الجامع بين صدق المخبر وسلامة المظهر، والمتمثل في الخلق الحسن بوصفه برهانا واقعيا وسلوكيا للدين، ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»[7]، وقد علل السندي حصول الفتنة والفساد في رفض الأولياء قبول تزويج من اكتملت أوصافه الخلقية والدينية من الرجال بكون الخلق «مَدار حُسْنِ الْمَعَاشِ، كَمَا أَنَّ الدِّينَ مَدَارُ أَدَاءِ الْحُقُوقِ»[8].
فلا شك إذن أن حسن الخلق وصدق التدين لهما تأثير على صلاح الأسرة، ومن ههنا حرص العلماء ومنهم المحدثون على تثبيت قاعدة الكفاءة في الزواج، وجعلوا عنوانها صلاح الدين وحسن الخلق، فإذا حرص الأزواج في مشاريعهم الأسرية على هذين العنصرين، وعملا على ترشيدهما وجعلهما محور الترابط الأسري، فإن ذلك سينعكس إيجابا على صحتهما النفسية لما لهما من العلاقة الوطيدة بالبعد الديني والتربوي، وسيرى الأزواج ثمرة ذلك على أسرتهما استقرارا ونجاحا ورشادا.
- استحضار المقصد التعبدي في التعامل الأسري:
بناء على المعلم الأول من معالم أثر ترشيد التدين في الصحة النفسية للزوجين، وجب استحضار المقصد التعبدي في بناء الأسرة واستدامتها، وذلك لكون الحياة الزوجية للمسلم لا تشذ عن حياته التعبدية لله تعالى، بل هي من جملة أعماله التي ينبغي له أن يعبد الله بها، ومما يدل على هذا قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، فاستحضار البعد التعبدي في العلاقة الأسرية صِمام أمان وضمانة معنوية لاستمرار العلاقة على هدى ورشاد، وذلك لكون هذا البعد التعبدي مؤثرا على الجانب النفسي للزوجين تأثيرا حَسَنًا، فلا تُبنى العلاقة على محض الالتقاء والتجمع البشري، وإنما يحضر البعد الروحي والوجداني القائم على أن علاقة الزوجين في أبعادها الجنسية والمعيشية والعاطفية من جملة ما يؤجر عليه الزوجان، ومن شواهد هذا:
ما رواه ابن حبان «عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في بُضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيه أجر؟ فقال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر»[9]، فهذا الحديث مدخل نفسي ووجداني وعقلي لتصحيح نظرة الزوجين للعلاقة الجنسية، والسمو بها من مجرد قضاء وَطَر وشهوة، إلى مرتبة تعبدية راقية، فيكون بهذا الزوجان قد حققا المقصدين المرجوين من العلاقة، وهما المقصد الجنسي والمقصد التعبدي.
وروى البخاري «عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك»[10]، وهو حديث يحفز الزوج كذلك على تغيير نظرته تجاه قوامته المادية وتقصيدها نحو تحقيق البعد التعبدي فيها، مع ما في أسلوب الحديث من اللطافة في التعبير، وهي إشارة إلى استحباب ملاعبة الزوجة بوضع اللقمة في فيها توددا، وكل هذا ينعكس قطعا على نفسيتهما ويكون له الأثر الواضح على تعاملهما واستقرارهما، ولا شك أن تحسن العلاقة بين الزوجين يلقي بظلاله الوارفة على الحالة النفسية للأبناء ويؤثر فيهم إيجابا.
- تأسيس العلاقة الزوجية على مقاصد القرآن منها:
ولست ههنا في محل سرد وتتبع واستقراء مقاصد القرآن الكريم من إنشاء الأسرة، فالأمر يحتاج إلى بحث مستقل، وإنما القصد هو التنبيه إلى ضرورة بناء كيان الأسرة على هذه المقاصد القرآنية التي حددها بكل دقة ووضوح.
وأختار في هذا السياق بيان ثلاثة مقاصد من التقاء الزوجين تحت قبة الزواج، وهي مقاصد منصوص عليهما في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: 21]، فمن لطائف التفاسير لهذه الآية، ما ذكره العلامة الشنقيطي رحمه الله في تفسيره الماتع (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) وذلك عند تفسير قول الله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72]، يقول رحمه الله: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه امتن على بني آدم أعظم منة بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة.
ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا، وجعل الإناث أزواجا للذكور، وهذا من أعظم المنن، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على أنه جل وعلا هو المستحق أن يعبد وحده. وأوضح في غير هذا الموضع: أن هذه نعمة عظيمة، وأنها من آياته جل وعلا»[11].
ومن ههنا يمكن تحديد مقاصد الآية في العلاقة الزوجية في نقاط ثلاث:
- المقصد الأول: تحقيق السكن المادي والوجداني/النفسي، ويمكن اعتباره مقصد المقاصد من الأسرة، لأن به تتحقق المقاصد الأخرى في أبعادها الاجتماعية وغيرها.
- المقصد الثاني: تحقيق المودة، بما هي الأصل في طبيعة العلاقة بين الزوجين.
- المقصد الثالث: تحقيق التراحم، بوصفه صمام أمان لبقاء كيان الأسرة.
إن تحقيق مقاصد القرآن الكريم من الأسرة يمكن اعتباره – بل هو كذلك – مظهرا من مظاهر التدين الرشيد على مستوى الأسرة، وذلك لكونها مقاصد أمر بها الدين ورغب فيها، ولا شك أن تأثير هذه المقاصد على الصحة النفسية للزوجين ظاهر وجلي، لأمرين اثنين:
- الأول: كون تحقيق السكن والسكينة بين الزوجين هو عينه المقصود من تحسين الصحة النفسية لهما، وهو العامل المؤثر في استقرار الأسرة.
- الثاني: كون هذه المقاصد ذات طابع نفسي في أصلها ومآلها.
خاتمة وخلاصات:
وبعدُ: فإن هذا المقال لا يدعي استقراء معالم ترشيد التدين وتأثيرها على الصحة النفسية للزوجين بقدر ما يعد مساهمة من زاوية نظر الكاتب في الموضوع انطلاقا من نصوص وفهوم، وذلك لكون طبيعة الموضوع تستدعي تكامل الجهود والأفكار، وتلاقح التخصصات الشرعية والنفسية والطبية والاجتماعية وغيرها، فالظاهرة اجتماعية ونفسية متعلقة بالإنسان في أبعاده المعقدة والمتداخلة، ومن ههنا يمكن الخلوص إلى نتائج يمكن اعتبارها توصيات في الموضوع:
أولا: إن ترشيد التدين على مستوى الأسرة ضرورة شرعية وحاجة واقعية ينبغي إيلاؤها قسطا مهما من الاهتمام البحثي من ذوي الاختصاص والخبرة.
ثانيا: إن الاستقرار الأسري وأداء الأسرة لوظائفها ورسالتها رهين بتحسين مستوى الصحة النفسية للزوجين، مما ينعكس إيجابا على الأبناء والجو الأسري.
ثالثا: يمكن اعتبار الهدى المنهاجي المستلهم من نصوص الوحي وهدي النبي صلى الله عليه وسلم منطلقا في تحسين الصحة النفسية للزوجين، وعاملا مهما في نجاح الأسرة المسلمة بإذن الله.
[1] _ البخاري: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، رقم الحديث: 1359، ، تحقيق: محمد الناصر، دار طوق النجاة، ط1. 1422هـ، (2/ 95).
[2] _ ابن عاشور: تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، الدار التونسية للنشر، تونس سنة النشر: 1984 هـ، (30/ 481).
[3] _ صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم الحديث: 5090، (7/ 7).
[4] _ صحيح البخاري: رقم الحديث: 5091، (7/8).
[5] _ نفس المصدر.
[6] _ ابن خزيمة: صحيح ابن خزيمة، كتاب المناسك، باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خطب بعرفة راكبا لا نازلا بالأرض، رقم الحديث: 2809، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت(4/ 251).
[7] _ ابن ماجه: السنن، كتاب النكاح، باب الأكفاء، رقم الحديث: 1967، ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، دار الرسالة العالمية، ط1، 1430 هـ -2009 م، (1/ 632).
[8] _ السندي: كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه، دار الجيل، بيروت، بدون طبعة، (1/607).
[9] _ ابن حبان: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، كتاب النكاح، باب معاشرة الزوجين، رقم الحديث: 5167، ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1408 هـ – 1988 م، (9/ 475).
[10] _ صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، رقم الحديث: 56، (1/ 21).
[11] _ الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت، 1415 هـ – 1995م، (2/ 412).