أجرى الحوار: ذ.خديجة أحناش
1- بداية نريد منكم تقديم أنفسكم لرواد موقع “معارف”. من هو الأستاذ أبو الخير الناصري إنساناً وأديباً.
• بداية أشكر لمركز معارف هذه الدعوة الكريمة، وأرجو لكم كل التوفيق.
أبو الخير الإنسان من مواليد العام 1980م بمدينة أصيلا. أُدخلت في مرحلة الطفولة الكُتاب لحفظ ما تيسر من كتاب الله، ثم انتسبت إلى مدرسة ابن خلدون الابتدائية، وبعدها إلى ثانوية وادي الذهب حيث حصلت على شهادة البكالوريا لأنتقل بعد ذلك إلى طنجة، ثم إلى تطوان حيث استقر رأيي على دراسة اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ومنها حصلت على شهادة الإجازة في العام 2004م، ثم شهادة الماستر في العام 2013م، وشهادة الدكتوراه في العام 2017م.
في العام 2003 تخرجت في المركز التربوي الجهوي بمدينة فاس أستاذا للغة العربية، فانتقلت إلى قرية الجرف القريبة من مدينة أرفود حيث عملت أستاذا بين العامين 2003 و2005م، ثم عملت أربعة أعوام بقرية زومي نواحي مدينة وزان، وانتقلت بعدها إلى نواحي مدينة أصيلة حيث أشتغل الآن.
أما من الناحية الأدبية فقد انجذبت إلى قراءة الأدب، في مرحلة الدراسة بالتعليم الثانوي. كنتُ وجدت حينئذ بمنزل والدي – رحمه الله – مجموعة من الكتب والمجلات فانكببت على قراءتها بحب كبير، وحاولت أن أنسج نصوصا على منوال ما كنت أقرؤه بين دفاتها من نصوص شعرية ونثرية، فكانت تلك شرارة الانتساب إلى عوالم الأدب، فكتبت في تلك المرحلة قصصا، ومقالات، وخواطرَ كنتُ أحسبها شعرا وما هي بشعر.
ثم تواصلت قراءاتي وتنوعت في المراحل الدراسية الموالية، وبقيت مستمسكا برغبتي في الكتابة ومحاولاتي فيها، إلى أن أقدمت يوما على إرسال مقال إلى جريدة “الحُرّة” المحلية، وفوجئتُ بنشره، فواصلت إرسال كتاباتي إلى الصحف والمجلات، ثم بدأت التفكير في التأليف، فنشرت كتبا فردية، وشاركت في كتب جماعية، أذكر منها الكتب الفردية الآتية: “تصويبات لغوية في الفصحى والعامية” (2008)، “في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله تعالى” (2008)، “لا أعبد ما تعبدون” (2011)، “وردة في جدار” (2015)، “خارج القفص” (2016)، “في صحبة أستاذي محمد الحافظ الروسي” (2017)، “غيمات الندى” (2019)، “فحص مضاد” (2022)، ومن الكتب الجماعية أذكر: “أحمد عبد السلام البقالي: الإبداع وإشراقاته” (2011)، “المرحوم عبد الله المرابط الترغي: أيقونة قيم ونبراس علم” (2017)، “حازم القرطاجني وقضايا تجديد الرؤية والمنهج في البلاغة العربية القديمة” (2018)، “لمع من ذاكرة القصر الكبير في العصر الحديث، الجزآن الثاني والثالث” (2018/ 2021)، ” إضاءات وتنويرات: دراسات في رواية نفطستان لمحمد الحافظ الروسي” (2021)…
2- أصدرتم مؤخرا “فحص مضاد”. ما الذي يميز هذا العمل عما سبق لكم تأليفه ونشره؟
• هناك أوجه اختلاف كثيرة بين “فحص مضاد”، وهو مجموعة قصصية، وبين غيره من كتبي المنشورة.
من أوجه الاختلاف أن الكتب السابقة كانت مباشِرة تقريرية لا مجال فيها للخيال، أو لنقل إن حيز الخيال فيها محدود جدا، في حين استندت المجموعة “فحص مضاد” على الخيال وأتاحت له حيزا كبيرا في عوالمها.
بالإضافة إلى ذلك هناك وجه اختلاف من حيث زاوية النظر إلى الواقع، بل ومن حيث نوعُ الواقع أيضا.. لقد كنت فيما سبق من مؤلفات أنظر، أساسا، إلى واقعٍ موجود خارج ذاتي، أو تفصله عن ذاتي مسافة ما، أما في كتابي “فحص مضاد” فإني أصدر عن الذات، أو عن الواقع كما عشته، وعايشته، وعانيتُه معاناة إبداعية في أعماقي ودواخلي.
من أوجه الاختلاف أيضا أن لغة الكتابة قبل “فحص مضاد” كانت تبتغى الإيضاح التام، وتنهج سبُل العرض، والنقد، مع اهتمام كبير بالاستدلال، في حين تبتغي لغة “فحص مضاد” الإمتاع وإطراب النفس، مع الميل، أحيانا، إلى الصمت الإبداعي الذي يفتح بابَ الاحتمالات والتأويلات المختلفة لدى المتلقي..
ومن أوجه الاختلاف كذلك أني أبتغي، في هذه المجموعة القصصية، تحقيق نوع من التأريخ أحاول من خلاله أن أرسم صورة لأمكنة حقيقية داخل أصيلا، ولأشخاص من دم ولحم…حاولت التأريخ لهذه الأشياء وفقا لتفاعل الذات الساردة معها..وهذا أمر لم أنهجه في أي كتاب من كتبي السابقة.
هناك أمر آخر هو أن بعض الأمور استعصى علي أن أكتبها في صيغة نقد، أو دراسة، أو مقال، وأتاحت لي القصة حرية كبرى لكتابتها…
3- ما الطاغي في “فحص مضاد”، هل السرد الواقعي الأقرب إلى السيرة، أم المتخيل المستوحى من الواقع، أم مزيج من الاثنين؟
• أحيانا أنطلق في كتابة القصة من واقعة حقيقية عشتها، أو عاشها غيري من الناس، وقد أنطلق من تأمل مكان من الأمكنة الموجودة داخل أصيلا أو خارجها وما أحدثه هذا التأمل في نفسي، لكن الأمر لا يتجاوز اقتباس الشرارة إلى التصوير الفوتوغرافي للواقع المعيش، بل هناك مزج بين الواقع والخيال والإحساس فيما أكتبه من قصص قصيرة.
4- لو أردنا الحديث عن الإنتاج الأدبي والنشاط الثقافي في شمال المغرب؟ ما تقييمكم له؟ وهل هناك ما يميزه؟
• الحركة الثقافية بشمال المغرب تعرف، منذ أعوام، حيوية ونشاطا واضحين، وقد ساعد على ذلك عوامل متعددة من أهمها إحداث مؤسسات علمية جديدة بالشمال، منها ما هو تابع لجهات رسمية ومنها المستقل عن تلك الجهات. أذكر مثلا الكليات الجديدة التي أنشئت في عدد من مدن الشمال، والمراكز العلمية التابعة للرابطة المحمدية للعلماء وغيرها. لقد أسهمت هذه المؤسسات في إغناء المشهد الثقافي بشمال المغرب سواء من حيث الإنتاج الأدبي والعلمي أم من حيث الأنشطة الثقافية والعلمية المنظمة فيه.
ومن مميزات هذه الحركة العلمية والثقافية بالشمال اتخاذ هذا الجزء من المغرب موضوعا لكثير من الأبحاث العلمية المنجزة داخل كليات الشمال أو خارجها. لقد كان حَظ هذه المنطقة من الدراسات والأبحاث العلمية الأكاديمية وغير الأكاديمية قليلا فيما مضى إذا نحن وازَنّا بينه وبين ما كُتب عن مناطق أخرى، وقد ضوعف عدد تلك الدراسات والأبحاث في الأعوام الأخيرة، وهذا من أهم مميزات هذه الحركة العلمية والثقافية المباركة بشمال المغرب.
5- ما هي أبرز الصعوبات التي قد تقف في وجه النشء لصقل مواهبهم في الكتابة؟ وكيف يمكن تذليل طريقهم؟
• الواقع أن هذه الصعوبات تختلف باختلاف الأطفال والمحيط الذي ينشأ فيه كل طفل، ومن أبرز الصعوبات ألا يجد الأطفال من ينتشلهم قليلا من عوالم الصورة التي تحاصرهم في شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنيت، ويحثهم على القراءة ويختار معهم ولهم ما يقرؤونه، وهذا أمر ضروري؛ لأن القراءة وقود للكتابة ورافد أساسي لتنمية بذرة الكتابة في أعماق الموهوبين من الأطفال.
من الصعوبات كذلك ألا يجد الطفل من يقرأ له ما يكتبه ومن يُحسن تشجيعه وتقويم كتاباته نحوا، وصرفا، وإملاء، وتعبيرا، ويعمل على إغنائها معجما وتخييلا…
وتجاوزُ هذه الصعوبات هو مسؤولية جهاتٍ ومؤسسات عديدة داخل المجتمع كالأسرة، والمدرسة، والإعلام، والجمعيات العاملة في المجال الثقافي. هذه الجهات وغيرها ينبغي أن تُعنى عناية خاصة بتشجيع الأطفال على القراءة، وأن تُضاعِفَ جهودها المبذولة في تنظيم الأنشطة التي من شأنها أن تجعل فِعْلَ القراءة ممارسةً معتادة مألوفة في حياة الطفل.
من الأمور الهامة كذلك في صقل مواهب الكتابة عند الأطفال تنظيمُ ورشات للكتابة يُشرف عليها الأدباء والكتاب وأهل التربية والتعليم، وذلك لتعليم الأطفال المهارات الضرورية في كتابة مختلف الأجناس التعبيرية..
كما ينبغي الإكثار من عقد لقاءات وحوارات بين ناشئة الأدب وبين الأدباء والكتاب، يعرض فيها الأدباء تجاربهم في الكتابة، ويُوجه إليهم الأطفال ما يشاؤون من أسئلة، وذلك لترشيد خطواتهم في مجال الكتابة والإبداع، فمثل هذه اللقاءات تحقق الفائدة الكبيرة للأطفال.