المسار والمشروع
لا يمكن الحديث عن اللسانيات العربية عامة، والبحث اللساني في المغرب تعيينا، دون الوقوف عند علم من أعلامه الكبار، الذي كلما ذكر تذكر معه اللسانيات الوظيفية؛ لأنه عمل على استنبات نظرية النحو الوظيفي في الدرس اللساني العربي. إنه الدكتور أحمد المتوكل. صاحب مشروع لساني مركب، قضى سنوات طويلة في التدريس بالجامعة المغربية وجامعات غربية وعربية كثيرة، كان عطاؤه خلالها فاعلا ونوعيا، وهو عضو في جمعية التداوليات الدولية، ومؤسسة اللسانيات الوظيفية الدولية.
ولد أحمد المتوكل سنة 1944 في مدينة الرباط، حاصل على دكتوراه الدولة في اللسانيات من جامعة محمد الخامس بالرباط، تحت إشراف العالم السيميائي ألجرداس جوليان كريماس باللغة الفرنسية تحت عنوان «Réflexions sur la théorie de la signification dans la pensée linguistique arabe» أصدر العديد من الدراسات والمقالات، وأشرف على الكثير من الأطروحات الجامعية في مجال اللسانيات. صدر له لحد الآن أزيد من سبعين مؤلفا، كتبا ومقالات باللغة العربية وباللغتين الفرنسية والإنجليزية، تشكل في معظمها نحوا وظيفيا للغة العربية. فهو مسار طويل ومشروع ممتد قدمناه باقتضاب.
بعض مؤلفاته باللغة العربية:
■ الوظائف التداولية في اللغة العربية، الدار البيضاء : دار الثقافة، 1985.
■ دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1986.
■ قضايا معجمية : المحمولات الفعلية المشتقة في اللغة العربية، الرباط : اتحاد الناشرين المغاربة، 1988.
■ الجملة المركبة في اللغة العربية، الرباط، منشورات عكاظ، 1988.
■ آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، الرباط منشورات كلية الآداب 1993.
■ قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية بنية المكونات أو التمثيل الدلالي التداولي الرباط دار الأمان 1995.
■ قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية : بنية المكونات أو التمثيل الصرفي- التركيبي، الرباط، دار الأمان، 1996 .
■ قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية : بنية الخطاب من الجملة إلى النص الرباط، دار الأمان، 2001.
■ الوظيفية بين الكلية والنمطية، الرباط : دار الأمان، 2003
■ المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي الأصول والامتداد، الرباط : دار الأمان، 2006
■ مسائل النحو في قضايا نحو الخطاب الوظيفي، بيروت : دار الكتاب الجديد المتحدة 2009.
■ اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري: دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، الطبعة الثانية، 2010
■ الخطاب وخصائص اللغة العربية، دراسة في الوظيفة والبنية والنمط : منشورات الاختلاف، الدار العربية للعوم، دار الأمان، 2010.
■ اللسانيات الوظيفية المقارنة، دراسة في التنميط والتطور، منشورات الاختلاف، الدار العربية للعوم، دار الأمان، 2012.
بعض مؤلفاته بالإنجليزية والفرنسية.
■ Réflexions sur la théorie de la signification dans la pensée linguistique arabe. Publications de la faculté, Rabat, 1982.
■ Le focus en arabe: vers une analyse fonctionnelle. In: lingua64, 1984.
■ Topic in Arabic: towards a functional analysis. In: bolkestein et al (eds), 1985.
■ Essais en grammaire fonctionnelle. Rabat, 1988.
■ On representing implicated illocutionary force: grammar or logic? Wpfg 40, 1991.
■ Negative Construction in Arabic: towards a functional approach. In: k. devenyi and t. ivznyi. (eds) 3.4, 1991.
■ Reflections on the layered underlying representation in functional grammar. University Mohamed V, Rabat, 1993.
■ Term-to- phrase mapping rules: A case study from Arabic. In: Engberg- pdersn. Falster jakobsen and schack. Rasmussen (eds), 1994.
■ Benveniste’s recit vs discours dichotomy as discourse operator in functional grammar. In. hannay and A. M. Bolkestein (eds), 1998.
■ Exclamation in functional grammar: sentence type. Illocution or modality? WPFG no. 69, 1999.
■ Preliminaires à une grammaire fonctionnelle de discours. In: jadir M. (ed), 2003.
■ Discourse structure, the generalized parallelism hypothesis and the architecture of functional grammar. In: Madkenzie and Gomez- Gonzalez (ed), 2004.
■ Functional grammar and Arabic. Encylopedia of the Arabic language and linguistic. Leiden: Brill Academic Publishers. Vol.II, 2006.
■ Coordinative constructions in Arabic. Some aspects of morpho- syntax as an indicator of interpersonal status. In: Advances in functional discourse grammar. Alfa special volume. Brazil, 2007.
الحوار:
سؤال: في هذا الإطار، فيما ما يتعلق بكتابة تاريخ اللغة العربية من منظور نظرية موحدة لصياغة تعميمات ونمذجات، تساعد على تطوير العربية لتصبح مواكبة للترجمة والتدريس وغيرها من المجالات الحيوية، وهذا يستلزم مناهجَ علميةً حديثةً. أستاذنا، من خلال اشتغالكم على بعض قضايا النحو العربي من منظور نحو الخطاب الوظيفي” مسائل النحو العربي في قضايا نحو الخطاب الوظيفي” استثمرتم ما يقدمه هذا التوجه. ما قيمة الاقتراحات النوعية التي يقدمها لتجديد النحو العربي وتطويره حتى يكون جذابا وميسرا تدريسا وترجمة…الخ؟
جواب:
لقد بدأت هذا المشروع منذ 1980، مشروع كتابة تاريخ الفكر اللغوي العربي منذ الأطروحةRéflexions sur la” théorie de la signification dans la pensée linguistique arabe ” التي أشرف عليه العالم السيميائي الكبير ألجرداس جوليان كريماس. وكان هدفي هو الخروج مما كان يروج في كلياتنا من نقاشات عقيمة حول اللسانيات الحديثة والنحو العربي القديم، وكان للنحو القديم أنصار يدافعون عنه بشراسة، وكانوا يقولون إن اللسانيات إن هي إلا مصطلحات جديدة لمفاهيم قديمة، وهذا طبعا مضحك ولايقوم أويستند على أية أسس معرفية، وكان هناك فريق ثان يقول إن اللسانيات الحديثة جبت الفكر النحوي القديم أيا كان أصله عربيا كان أم فرنسيا أم هنديا. ما حاولت أن أصنعه من خلال تلك الأطروحة وبعدها هو أن أثبت بعض المبادئ:
أن الفكر اللغوي العربي القديم من حيث ظروف إنتاجه و ظروف نشأته ومن حيث أصوله المعرفية يختلف اختلافا جذريا عن اللسانيات الحديثة ويختلف كذلك في كونه نحوا خاصا باللغة العربية لايتجاوزها، وكل الأنحاء التقليدية بهذا الشكل. في حين أن اللسانيات الحديثة أتت لدراسة اللسان البشري في عموميته مع دراسة خصائص اللغات المختلفة لكن دائما انطلاقا من كليات عامة هي الكليات المتحدث عنها في اللسانيات الحديثة. إذن فرق بين الفكرين، إلا أن الحوار بين الفكرين غير مستحيل، وقد انطلقت في هذه الفكرة مما قاله كريماص في كتابه” “du sens” إن الذات العالمة هي ذات واحدة باختلاف الزمان والمكان””le sujet scientifique est unique quelque soit l’espace et le temps”. انطلاقا من هذه الفكرة حاولت أن أثبت أن الحوار بين الفكر اللغوي العربي القديم وبين اللسانيات الحديثة والوظيفية بالذات غير مستحيل بل يمكن أن يجدي وأن يؤتي ثماره إن بكونه مرجعية أبستمولوجية أو مرجعا يقدم تحليلات يمكن تأويلها وضمها إلى التحليلات الحديثة، لكن هذا الحوار لايمكن أن يكون مجديا إلا إذا كانت قراءة التراث قراءة ممنهجة أي قراءة تستبعد الإسقاط، أن لانسقط الفكر العربي القديم على اللسانيات ولا العكس، وأعطيتُ أمثلة. منها ما ذكرتموه حين تحدثتم عن كتاب “مسائل النحو العربي في قضايا نحو الخطاب الوظيفي” . هذ ه الدراسة كانت مثالا تطبيقيا لتلك الأطروحة التي تبنيتها منذ أربعين سنة، بينت فيها أن مجموعة من المسائل النحوية يمكن أن تجمع في قضايا نحو الخطاب الوظيفي دون إشكال كالوصل والاستثناء وغيرها من المسائل.
سؤال: هذا الأمر يقودنا إلى سؤال آخر أراه مهما ، هذا الاشتغال نسقي وعلمي وفيه تراكم معرفي، هناك سلسلة كتب صدرت لكم عن دار الأمان وعن منشورات ضفاف والاختلاف، تركز على قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية. وهذا البحث العلمي هو المطلوب لتطوير العربية وتطوير نظريات تواصلية في الإعلام، في الترجمة، وخاصة استثماره في صناعة الكتاب المدرسي حتى يصبح تدريس اللغة العربية في المستوى المطلوب، وهذه هي النتائج العملية التي ينبغي الحرص عليها؟
جواب:
صدقتم أستاذ، في هذا الإطار تقام اليوم كثير من الأبحاث بخصوص تطوير اللغة العربية عالميا خاصة ما يتعلق بتدريس العربية وحوسبتها، من منظورات متعددة منها توظيف اللسانيات الوظيفية، وحتى في العالم العربي والمغرب، مثل ما يقدمه باحثون مغاربة كالأستاذ عزيز العماري والأستاذ عبد الرحمان الرحموني والأستاذ عبد الوهاب صديقي. هؤلاء الباحثون الجادون وغيرهم قاموا بدراسات وشاركوا في ندوات تخص تدريس اللغة العربية، وقدمت آراء واقتراحات في إطار النحو الوظيفي، هذا الهاجس مطروح وقد أخذناه بعين الاعتبار في اشتغالنا و مشروعنا البحثي.
سؤال: بالنسبة للسانيات الوظيفية هل تصوغ لنا مقومات نظرية تواصلية أكفى يمكن أن تكون ملائمة للتطورات العلمية اليوم؟ ثم ماهي التطورات العلمية والمعرفية التي يشهدها النحو الوظيفي اليوم في سياق تطورات العلوم المعرفية وحوسبة اللغة؟ وتطبيقاتها العملية؟
جواب:
نعم جميل جدا، بالنسبة للشق الأول عن مدى الاستفادة من نظرية النحو الوظيفي في تطوير نظرية التواصل، هذا شيء استطعنا إنجاز فرع كبير منه حيث درسنا التواصل بمختلف أنماطه: التواصل المباشر، التواصل غير المباشر، التواصل الموسط …. بل ذهبنا إلى أن نظرية النحو الوظيفي يمكن أن تكون نظرية للتواصل بجميع قنواته اللغوية وغير اللغوية السمعية والبصرية والإشارية، بحيث يمكن أن نتحدث الآن عن نظرية سميائية وظيفية وهذا تعرضت له في كتاب ” الوظيفية بين الكلية والنمطية” حيث تحدثت عن النظرية الوظيفية العامة، وهذا ماكنت أقصد.
بالنسبة للشق الثاني من سؤالكم عن التطبيقات العملية، تقدم اليوم في عدة جامعات اجتهادات خاصة بحوسبة اللغة غربية وعربية، ففي جامعة مصراتة بليبيا مثلا هناك مجموعة بحث تشتغل في هذا المجال انطلاقا من آليات النحو الوظيفي من أعضائها الدكتور محمد ملبطان ونحن ننتظر ما أسميتموه ب”القطوف الدانية”
سؤال: نريد أستاذنا أن نعرف انشغالاتكم الحالية والأسئلة التي تفكرون فيها، وهل من توجيه للباحثين الشباب يمكن أن ينير دربهم ويوضح سبل الاشتغال على هذه القضايا أو القضايا التي لم تطرق بعد.
جواب:
الانشغال الحالي ينحصر في المرامى الثلاثة التي سبق ذكرها:
أولا: وصف بنية اللغة وتفسيرها تزامنا وتطورا، وثانيا: إعادة قراءة الفكر اللغوي العربي القديم، وثالثا: تنزيل اللسانيات الحديثة ومن بينها النظرية الوظيفية في معالجة بعض قضايا المجتمع. وفي هذا الصدد، مما يمكن أن نوجه الباحثين إليه، إذا سمحت لنفسي بالتوجيه، هو العمل في المجالات الثلاثة
أوجه، على الخصوص، إلى العمل على الجانب التطبيقي للسانيات العامة والوظيفية في المجالات الحيوية، ومنها تجديد تدريس اللغة العربية، وهو مجال حيوي ومهم اليوم، ولا يقل حيوية عنه تحليل مختلف الخطابات التي نسمعها ونقرأها في المغرب وغير المغرب. وهناك مجال آخر يجدر أن يُنشَغَلَ به ويعمق هو اللسانيات الوظيفية والاضطرابات اللغوية وهو مجال حيوي يمكن للباحث اللساني أن يفيد فيه إفادة كبرى في فهم كثير من الأمراض النفسية المرتبطة بالنطق والتركيب والدلالة وكذلك مجال اكتساب اللغة عموما والعربية خصوصا…الخ