يعرف العالم في هذه الأيام أزمة صحية وصفت بكونها جائحة وخطيرة وملقية بثقلها على الإنسان والعمران في أبعادهما الصحية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وهي أزمة تقارن بحروب عالمية من حيت تأثيرها المستقبلي على مخططات الدول والأقطاب العطمى في العالم، لكنها كذلك أزمة ألقت بظلالها على حياة الأفراد والأسر، فدخل الناس بسببها في مشاكل نفسية واضطرابات سلوكية لم يعرفوها قبل هذه الجائحة، ولتنوير الباحثين والتشخيص العلمي والنفسي والسلوكي للمشكلة، نستضيف في هذا الحوار الدكتور محمد سعيد الكرعاني طبيب نفساني ومستشار علمي للمؤسسة المغربية للتكوين في المهارات النفسية والاجتماعية.
السؤال الأول: دكتورنا الكريم، ما هي التأثيرات النفسية لحالة الخوف الناتجة عن الوضعية الوبائية المعاصرة؟
جوابا على سؤالكم الأول حول التأثيرات النفسية لهذه الوضعية الوبائية الحالية، أولا نحن بصدد صنفين من الناس، الصنف الأول: عنده سوابق مرضية في الصحة النفسية وبالضبط من كانوا قبل الوباء يعانون من اضطرابات الخوف والقلق، وهي اضطرابات يتميز أصحابها من الأعراض الاساسية التالية: الخوف الزائد على المستويات العادية، وذلك لكون الخوف ليس مرضا في حذ ذاته، بل هو شعور من المشاعر الطبيعية للإنسان، بل هو مفيد للإنسان، فبفضله يستطيع الإنسان اتخاذ الاحتياطات والتدابير ويدقق فيما ينبغي التدقيق فيه، بل والحضارة الإنسانية في أصل نشأتها راجعة إلى الخوف بشكل من الأشكال، فهو دافع من دوافع بنائها – (الخوف من الحيوانات الضارية، الخوف من الأعاصير) الشيئ الذي دفع الإنسان إلى بناء المدن والأبراج ويصنع الاسلحة ويطور أدوات الحضارية بصفة عامة- فالخوف إذن من الأمور المساعدة للإنسان من أجل البقاء والتكيف مع تحولات الحياة، والخوف يفيدنا في ظروف الوباء، لأنه يلجئنا إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة والتدابير الاحترازية.
غير أن المصابين باضطرابات الخوف والقلق قبل الوباء الحالي يتميزون بكون الخوف عندهم يفوق مستوياته الطبيعية، معنى ذلك أن خوفهم مرضي يقتضي تدخلا طبيا علاجيا، فيه ما هو دوائي وما هو سلوكي، ومع الأسف نحن نعاني في هذا الصدد من تأخر التشخيص، فالمصابون بهذه الاضطرابات وأمثالها أكثرهم لا يلجؤون إلى الطبيب أصلا، لاعتقادهم أن حالتهم ليست مرضية ولا يلزم منها علاج دوائي، فيمكثون أعواما يعانون هم وأسرهم، لأنهم دائما في شكوى من الأعراض الجسدية للخوف، وربما أحيانا يلجؤون إلى حلول أخرى مثل الرقية الشرعية علما أن حالتهم مرضية تقتضي تدخلا من جنس آخر، في حين أن الأمر يتعلق بأمراض لها جذورها البيولوجية لا مفر ولا بديل عن تدخل طبي، يتضمن تفاصيل لها علاقة بالتدخل الدوائي والتدخل السلوكي، هذا من جهة.
فالمصابون إذن بهذه الاضطرابات في سياق هذا الوباء، ازدادت مخاوفهم تفاقما، فيتخيلون أنفسهم مصابين وأن أبناءهم وأحباءهم قد أصيبوا، ويتخيلون أنفسهم قد ماتوا، وهي تخيلات تؤثر سلبا على حالتهم النفسية ومعيشهم اليومي، فيدخلون في توتر مستمر ومعاناة مع محيطعم الأسري وغير الأسري، وينعكس ذلك على مردويتهم ونشاطهم، فيكونون عرضة للإدمان على المخدرات، لكون بعضها تخفف من إحساسهم بالخوف، وقد يلجؤون إليها في إطار ما يسمى بالعلاج الذاتي، وهذا فيه خطر كبير، لذلك ننصح في هذا الإطار بضرورة الاستشارة الطبية، فالطبيب العام له القدة على التدخل وأحايانا قد يوجه المريض إلى طبيب مختص.
هناك صنف آخر من الناس لا يعانون من هذه الاضطرابات –السوابق المرضية- قبل هذه الوضعية الوبائية، لكن الظروف الحالية وما أفرزته من تحول كبير في عوائد الناس وأنماط عيشهم، والاحترازات الشديدة المتخذة من عموم الناس، ومن الكم الطبير من المعلومات المتلقاة يوميا عبر وسائل الإعلام، كل هذا أدى إلى ضغط نفسي استثنائي نعيشه جميعا، فهذا الصنف الثاني هو معظم الناس إن لم نقل كل الناس.
وفي هذا الصدد أحب التنبيه على أن الأصل هو ضرورة تهييئ الناس -قبل وقوع الكوارث- من الناحية النفسية للتمكن من بناء مهارات لتدبير التوتر، وذلك عبر برامج استباقية، فإذا حلت مثل هذه الحالات الاستثنائية يتمكن الإنسان من تدبيرها من الجوانب النفسية، ومع الأسف معظمنا لا يتملك هذه الأدوات التدبيرية ومحرومون منها فتكون نتيجة الأمر ضغوطات نفسية كبيرة، هذا كل ما يتعلق بسؤالكم الأول.
السؤال الثاني: هل يمكن أن نتحدث بإزاء ذلك عن الحاجة إلى علم مناعة نفسي؟
بالفعل هناك دراسات حقيقية أنجزت حول علاقة المناعة الجسدية بالحالة النفسية للإنسان، فالتأثير متبادل بين الجهتين، فيمكن أن نجد أمراضا عضوية تصيب مناعة الإنسان فتؤثر في حالته النفسية، والعكس أيضا صحيح، فالحالة النفسية حينما تتحسن، تتحسن بالتبع مناعة الإنسان، وحينما تتدهور الحالة النفسية، تتدهور مناعة الإنسان، ومثالا لذلك: حينما يفوق التوتر النفسي المعدلات العادية والمتوسطة يصبح الجسم في حالة تأهب مستمر، وهذا التأهب المرافق للتوتر أمر طبيعي لكونه علامة على وجود خطر، وهو أمر مفيد، لكن عندما يصبح التوتر مرضا مزمنا يصبح الجسم في حال تأهب مزمنة ومستمرة، وهذا يرافقه إفراز لهرمونات التوتر بكثرة، على رأسها هرمون البورتزول، وهو يؤثر على وظائف أعضاء الإنسان، ونلاحظ في هذا السياق ظهور أمراض مرتبطة باضطراب في المناعة، وبالتالي فهناك علاق تبادلية بين المناعة والحالة النفسية للإنسان.
ومن جهة أخرى: يمكن الحديث عن المناعة لكن بمعنى آخر مجازي، فنقول: إن تمليك الناس المهارات النفسية في سن مبكرة تساعدهم في التعامل مع حالات الضغط النفسي والكوارث وتحولات الحياة وتقلباتها، وهي عملية تربوية مبكرة ينبغي تمليكها للأطفال لتكون لهم مناعة نفسية.
السؤال الثالث: كيف تقيمون الخطاب ( المعجم اللغوي والمفاهيم والمصطلحات) المصاحب للجائحة؟ وهل من توجيه للتعامل مع فوضى المعلومات؟
بالفعل نستطيع التأكيد أن المتلقي غير المختص عرضة لقصف معلوماتي رهيب جدا ومصطلحات متداخلة وخلط في المفاهيم، وأحيانا المعلومات غير دقيقة، فحين تكون المعلومة مفتقدة للدقة تكون مصدرا للتوتر، وفي هذا السياق يمكن تقديمة نصيحة أساس:
فمن حيث الكم: على المتلقي التخفيف من عدد المعلومات، وذلك بتجنب المتابعة المستمرة لها، لكونها من شأن المختصين وليست لعامة الناس، فيمكن اختيار وقت محدد لمتابعة الحالة الوبائية كأول النهار أو آخره، وهو أمر لا بأس به، لكن أن يظل المتابع طيلة اليوم تحت هذا الكم الهائل من المعلومات فهو أمر مضر بصحته النفسية لا محالة.
أما من حيث الكيف: فوجبت العناية باختيار مصادر المعلومات، فيحسن تحديد مصادرها كمنابر المنظمة العالمية للصحة أو بيانات وزارة الصحة، لكونهما مصدرين موثوقين ودقيقين في معلوماتهما.
وفي نفس السياق أضيف أمرا آخر، ففي إطار فوضى المعلومات نجد غير المتخصص يدلون بآرائهم في الموضوع، فيتحدثون للجمهور عن أعراض المرض وعلاجه ويلقي بمعلومات مفتقدة للدقة، وقد تشكل خطرا على صحة الناس؟ فهذا الموضوع دقيق ومستجد، والباحثون المختصون فيه كل يوم يكتشفون شيئا جديد، فما بالك بغير المتخصص، فقد يقدم للناس معلومات ونصائح علاجية قد تشكل خطرا على صحتهم، وخاصة إذا لم تكن نصائح متأكدا من جدواها ومضاعفاتها الجانبية، فالعلوم الطبية في منهجها تتميز بدقة كبيرة وتريث شديد، والعلاجات تخضع لمراحل عديدة قبل أن تخرج إلى حيز الوجود، وبالتالي لا ينبغي الاستخفاف بهذا الأمر والتعويل على معلومات غير تخصصية.
السؤال الرابع: اليوم تعيش الأسر تحت ضغوط نفسية كبيرة، ما هي برأيكم أهم المحاذير التي ينبغي تجنبها ضمانا للاستقرار النفسي والاجتماعي؟
تمر الأسر هذه الأيام من توتر كبير بسبب فجائية الحالة الوبائية، واستلزمت تدابير وإجراءات صارمة غير متوقعة ولا بد من الامتثال لها. وكذلك نمطية السلوك داخل الأسرة، أي محدودية مجال المتنفسات والبدائل، مما أدى إلى تصادم الاحتياجات وتضاربها.
وعليه؛ لا بد في هذه اللحظات الحرجة من التحلي بقدر كاف من المرونة والصبر والتحمل، وعدم الضغط على الأبناء وتجنب كثرة الانتقادات وإحصاء النقائص، ولا بد أيضا من التفكير في حلول إبداعية لتصريف الأزمة والتخفيف من حدة الضغط.
وهذا يحيلنا إلى التذكير بأهمية الأسرة بصفتها مؤسسة اجتماعية لها دور أساسي في استقرار المجتمع بما توفره من أمن نفسي للأطفال وإتاحة الفرصة أمامهم لاكتساب المهارات الاجتماعية وبناء حسن المسؤولية وثقافة التضامن والإحساس بالأخرين وواجب المواطنة.
السؤال الخامس: هناك من حاول تعداد إيجابيات الوباء، أي دور لذلك في التخفيف من حدته؟
بالفعل هذه الحال الوبائية التي نعيشها نبهت وأيقظت فينا أهمية التساؤل والتأمل في مجموعة من المفاهيم النفسية التي ما فتئ الدارسون يلحون على أهميتها، لكن هذه الجائحة نبهتنا إلى ملحاحيتها، وعلى رأسها مهارة نفسية تسمى (مهارة التعاطف مع الآخر)، وهذا المهارة سبق الحديث عنها ونبهت على أهميتها الكبيرة في تدبير مثل هذه الأزمات، ولكونها أساسا في استواء الوضع النفسي عند الفرد، ولكونها قيمة تربوية منذ الطفولة الصغرى، فالإنسان المتملك لهذه المهارة يحظى بظروف نمو نفسي جيدة، صحيح كنا غافلين عن هذا الأمر، لكن هذا الوباء نبهنا، مثالا لذلك: الكمامة العادية التي يرتديها عموم الناس، حينما أرتديها أنا، فأنا أحمي الآخر، والعكس صحيح، فهي في حد ذاتها تنبه على أهمية حماية الآخر، لأن حماية الذات تمر بحماية الآخر، والخير كذلك لا يصل إلى الذات إذا لم يصل إلى الآخر.. فهذا من الإيجابيات لهذه الأزمة، لأنها توقظنا وتعيد ترتيب أولوياتنا وتنبهنا إلى أهمية هذه المعاني التي قد نغفل عنها في أوضاعنا العادية، فالحالة هذه لها إيجابيات كثيرة.
السؤال السادس: ما هي حدود مسؤولية المثقف اليوم إزاء الحالة الوبائية؟
بخصوص مسؤولية المثقف، أظن أن هذا الوباء أرجع له وضعه الطبيعي الذي فقده في السنوات الأخيرة، ومن خلال الانتشار الكاسح لكل ما هو سخيف وتافه عبر وسائل الإعلام، فحاليا مع هذه الحالة الوبائية تبين بالملموس أنه لا يقيم الأمم والأوطان إلا العلم، وإلا الثقافة الجادة، ولا يصح إلا الصحيح، وأظن أن هذه الجائحة أرجعت الأمور إلى نصابها، وحتى السياسيون اضطروا إلى تبني مواقف العلماء، ففي غضون أيام، لاحظنا كيف أن القرار صار بيد الأطباء وليس بيد السياسيين، وكيف أن بعض الدول التي كان زعماؤها السياسيون حريصين على الاقتصاد على حساب صحة المواطنين اضطروا إلى أن يرضخوا للقرارات العلمية، وأظن أنه في المستقبل لا بد أن يكون العلم والمثقف والعالم في مقدمة القيادة، أن يكون في زمام الريادة، وأن يكون على المنزلة التي يستحقها والتي ينبغي أن تعطى له.
السؤال السابع: من المعلوم أن الطب النفسي يتناول الشخصية الإنسانية في أبعادها المتعددة، كيف يمكن بناء الوعي الجمعي من خلال الاستفادة من كل التخصصات؟
بالفعل الحاجة ماسة اليوم إلى كل التخصصات ليتحلى الجميع بالمسؤولية المطلوبة لنتعاون جميعا على إنقاذ السفينة التي تقلنا جميعا. والطب النفسي اليوم ينبني على دراسات علمية كبيرة جدا، وتمتاز بالتركيز على الوقاية في مجال الصحة النفسية، وهي دراسات مكثفة وتؤول خلاصتها إلى أهمية الاشتغال على الطفولة في المراحل الأولى بحيث يمَكَّن الطفل منذ الصغر من امتلاك مهارات نفسية واجتماعية تؤهله في سن الرشد للحصول على صحة نفسية جيدة والإسهام الإيجابي في مجتمعه.
ولذلك مكنتنا هذه الدراسات من الوصول إلى مجموعة من الإجراءات التي ينبغي أن نقوم بها. وما يحدث اليوم يؤكد أهمية البرامج الوقاية وأهمية المهارات الاجتماعية والنفسية في بناء الفرد السوي نفسانيا المساهم إيجابيا، والذي أنقذنا في هذه الظروف هذه المعاني، وما نجد من أعطاب مرده إلى بروز الأنانية الفردية والتقوقع على الذات.
في مثل هذه الظروف نحن في أمس الحاجة إلى التعاطف مع الآخرين (Empathie) والعرفان (Gratitude) وتدبير التوتر (la gestion de stress) ولأن هذه المهارات تبنى ولا تلقن جاهزة، وتحتاج إلى تظافر الجهود بين جميع التخصصات وإلى تكاملها.
السؤال الثامن: هل يمكن أن نتحدث عن عصر نهايات جديدة لكثير من السرديات والبراديجمات paradigmes ؟
بالفعل هذه الحالة الوبائية هي أزمة عالمية تقارن بالحروب العالمية الكبرى، وليس أزمة عابرة، هي محطة في حياة الإنسان تستحق الوقوف عندها مليا، وهي مرحلة فاصلة في التاريخ المعاصر، وبالتأكيد ستفرض مراجعات كبرى لعدة نماذج تفسيرية.
فمثلا في المجال التربوي؛ تأكدنا بالملموس أن النموذج القديم القائم على فكرة الحرص الكبير على التحصيل الأكاديمي والنجاح بشتى السبل والطرق والرغبة الجامحة في حصول البناء على أعلى المعدلات بأي وسيلة هو نموذج أبان عن محدوديته الكبيرة.
وإن هذه الأزمة نبهتنا إلى أن النجاح الأكاديمي مهم، ولكن بمعية النجاح النفسي والاجتماعي وامتلاك الإنسان لمهارات نفسية واجتماعية تجعله في صلح مع ذاته والآخرين وفي حالة رضا عن الذات وعن الأخرين وتفهم الذات والأخرين وتعايش مع الذات ومع الأخرين.
إذن النموذج التربوي المنشود في المستقبل هو نموذج يجمع بين الحرص على التفوق الأكاديمي والتحصيل العلمي وتمليك الطفل المهارات النفسية والاجتماعية لتي تجعله قادرا على التفاعل البناء مع المحيط والواقع.
السؤال التاسع: ما هي آفاق البحث العلمي التي يمكن استشرافها بسبب هذا المستجد؟
قبل الحديث عن آفاق البحث العلمي، لا بد من الحديث عن البحث العلمي الذي سيأخذ في أجندات الحكومات حيزا مهما على عكس السابق حيث شهدنا في السنوات الأخيرة إهمالا للبحث العلمي وتقليص لميزانيته خاصة في مجال الصحة والتعليم.
وعليه، سيصبح البحث العلمي أولوية إذا تبين في هذا الوباء لولا العلم والعلماء لكانت الكارثة أكثر مما نشاهد الآن، والله وحده يعلم مآل البشرية. فمسألة البحث العلمية ليست مسألة رفاهية أو أمر يخضع لاختيار نعم أم لا، بل هو مسألة وجود ومسألة مصيرية.
واليوم نشاهد في كبريات الدول أنه لم تنفعها جيوشها ولا أسلحتها النووية، الذي كان في الصدارة هم العلماء والأطباء الذين عكفوا على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي قللت من حجم الكارثة والخسائر المحتملة.
وبالنسبة إلى لآفاق، فإن جهود الخبراء ستنكب على دراسات معمقة في علم الأوبئة والفيروسات وستأخذ حيزا كبيرا من اهتماماتهم. وأرى أن البحث العلمي في مجال الصحة النفسية سيصبح مركزيا وسيكون على سلم الأولويات في المستقبل، وأن البحث العلمي في مجال علوم التربية سيكون أولوية في المستقبل، لأننا بهذه العلوم نسهم في بناء الإنسان السوي المتصالح مع نفسه ومع إخوانه من بني البشر، أظن أن هذه هي الأوراش الكبرى للبحث العلمي، بالإضافة إلى البحث في مجال الأخلاقيات المرتبطة بالعلوم، لأن دور الأخلاق في تطويق الظاهرة الوبائية لا يمكن تجاوزه، فقد شهدنا نماذج حضارية كبيرة من الحس التضامني ونكران الذات.
السؤال العاشر: ما هي مقترحاتكم لتدبير أزمة ما بعد كورونا؟
إن كان من شيء يستحق العناية الكبرى ما بعد كورونا، فهو أن ننتبه إلى كون الأشياء المهمة في حياة الإنسان ليست هي رفاهيتنا الزائفة، وليست هي الفائض في الممتلكات، وليس في امتلاك ما يروج له اقتصاد السوق، حيث تحول الإنسان إلى كائن اقتصادي وابتلعه النموذج الاستهلاكي.
لا بد من العودة إلى التفكير الجماعي وتوحيد الجهود لتوفير العيش الكريم من خلال صرف الطاقة إلى الضروريات وإشاعة روح الأخوة والتضامن والقيم الإنسانية.
ومن الأوراش الكبرى في البناء الحضاري التركيز على بناء المهارات النفسية والاجتماعية عند الأطفال، فلا بد أن نسعى جادين جاهدين إلى تمتيع الطفل في سن صغيرة منذ رياض الأطفال وفي المرحلة الابتدائية بمجال وبيئة نفسية سليمة.
ورغم أن منظمة الصحة العالمة ألحت على ذلك منذ سنة 1993 إلا أن البرامج ظلت تتعامل مع الموضوع بنوع من التهميش والسطحية أو الملامسة الجزئية.
ومن المداخل المهمة: تكثيف البرامج التكوينية والتأطيرية في مجال مهارات الصحة النفسية للمربين وأولياء الأمور ومختلف الفاعلين؛ من ذلك التقدير الذاتي والسلوك التوكيدي وتدبير التوتر والتعطف مع الأخر وتدبير مع بعد الصدمات la- résilience – واستئناف الحياة ما بعد الإخفاق.