ماذا لو ذكّرَنا وباء كورونا الحالي بأن العالم تأسيسيا غير متاح (indisponible)، وأنه لا يمكننا السيطرة عليه بالكامل، إلا إذا أنجبنا/صنعنا وحوشًا؟ هذا هو رأي المفكر الألماني هارتموت روزا، الذي حاورناه أثناء وجوده نفسه في الحجر الصحي.
نص الحوار
بداية، كناقد للتسارع (l’accélération)، هل ترى في وباء كورونا تباطؤًا كبيرًا؟
هارتموت روزا: بالتأكيد! على عكس حالات التباطؤ الأخيرة الأخرى -الأزمة المالية لعام 2008 أو انفجار البركان الآيسلندي (Eyjafjöll) الذي عطل الحركة الجوية عام 2010- ، فقد كان صناع القرار المؤسسيون هذه المرة هم من قرر التباطؤ، كإجراء احترازي. في حالة الثوران البركاني، يمكن القول إن تعليق الرحلات كان أيضًا إجراءً وقائيًا، لكننا لم نكن بعيدين عن استحالة تقنية، علاوة على ذلك، فإن تأثيره على النمو العام كان هزيلا. أما بالنسبة لانهيار سوق الأوراق المالية في عام 2008، فقد كان لاإراديًا. في حالة كورونا، فإن تخلى كلا من الفاعلين العامين والخواص أولاً عن تحركاتهم واحتفالاتهم، قبل أن تقوم دول معينة مثل إيطاليا وفرنسا باللجوء إلى الحجر الصحي الكلي، يعود إلى تهديد محتمل. لقد توقفت الحياة الاجتماعية في ألمانيا عمليا. ونتيجة لذلك، أصبح لدى العديد من الأشخاص فجأة وقت فراغ غير متوقع.
ما زلت لا أستطيع أن أصدق أنه في مثل هذه المدة القصيرة، وعلى هذا النطاق الجغرافي، تم تعليق العديد من السيرورات. هناك تباطؤ اقتصادي، ولكن يرافقه تباطؤ مادي يمكنك الشعور به تقريبًا. بالإضافة إلى ذلك، فإني أرى أيضًا انقسامًا آخر: يستمر العالم الرقمي واتصالات الإنترنت في الدوران بسرعة كبيرة، بل يزداد حدة، بينما في الخارج، في الشوارع، في الريف، أُفرغ العالم الحقيقي. هذا التباين مذهل للغاية.
على المستوى الشخصي وفي الوقت الذي نتحدث فيه عبر الهاتف، أنت في الحجر الصحي منذ عشرة أيام.
نعم، أصبت بنوع من الأنفلونزا، مع المنع من الخروج من البيت ما لم أحصل على نتائج اختبار كورونا، والذي تبين لحسن الحظ أنه كان سلبيًا. لقد تم إغلاق المؤسسات الأكاديمية التي أعمل فيها، فجامعة يينا وكلية ماكس فيبر في إرفورت أغلقتا. علاوة على ذلك، وبسبب مرضي بالأنفلونزا، اضطررت إلى التخلي عن رحلة إلى لوس أنجلوس، حيث كنت سأدرس في جامعة كاليفورنيا. لذلك سأبقى في شقتي لعدة أسابيع، والتي لم تكن مخططة على الإطلاق. يبدو لي وكأنه نوع من الهدايا، هذا الوقت الحر في المستقبل! لكنني منقسم. من ناحية، بتعبير بيير بورديو، لدي عادة (habitus) رجل نشط. وبالتالي، أشعر أنه يجب علي استخدام هذا الوقت الحر وملئه. حتى أنني قمت بعمل قائمة بكل الأشياء التي علي القيام بها (تعديل في المكان) في النهاية القيام بها خلال هذه الأسابيع من الانعزال القسري! من ناحية أخرى، فإن المتطلبات التقنية للعالم المعاصر موجودة دائمًا، فأنا مهدد بالتشتت إذا شاهدت نتفلكس والشبكات الاجتماعية طوال اليوم. كما أنني أميل إلى متابعة الأخبار باستمرار. إن التغطية الإعلامية لانتشار الوباء بشكل آني تملأ الفراغ الذي أحدثه الوباء.
|
حتى لو كانت كل حالة وفاة هي مأساوية، فإن حصيلة الوباء متواضعة نسبيًا، مع ما يزيد قليلاً عن 7000 حالة وفاة، نظرًا لحجم سكان العالم. حوادث السيارات تتسبب في 55 مليون حالة وفاة سنويًا في جميع أنحاء العالم، والسجائر 8 ملايين، ونحن بالكاد نتحرك في مواجهتها … كيف يمكننا تفسير أن النشاط العالمي قد تأثر بهذه الوفيات الـ 7000؟ هل هو غير عقلاني؟
هذه هي النقطة التي أجدها أكثر إثارة للاهتمام في الظاهرة الحالية. نحن نعلم، مع الاحتباس الحراري، أن سباقنا نحو النمو غير المحدود لا يمكن تحمله … ومع ذلك، لم نتمكن من إحداث أدنى انعطاف على نطاق جماعي. وهنا نجد أنه من السهل تقريبا أن نكبح أنفسنا، فقد انخفضت انبعاثات غازات الدفيئة بين عشية وضحاها بنسبة 30-40 ٪ في الصين، وهو أمر كان يُعتقد أنه لا يمكن التفكير فيه هيكليًا. كيف ينتج مثل هذا السبب الضعيف مثل هذه الآثار؟ أعتقد أنها مرتبطة بالأطروحة التي أدافع عنها في مؤلفي “جعل العالم بعيد المنال” (Rendre le monde indisponible). لنأخذ الأمثلة التي أثرتها للتو: في حالة التبغ، والسيارة، أنا في وضع المتحكم. السجائر موجودة، وهي رهن إشارتي، وأنا من يقرر التدخين أم لا. حينما اختار شراء سيارة للسفر بها. لذلك أنا ملتزم بالمنطق الحديث المعتاد لممارسة هيمنة غير محدودة على العالم. إذا مرضت أو تعرضت لحادث، فهذه هي المخاطر التي أتحمل مسؤوليتها. ولكن في حالة كورونا، يتم استبعاد مثل هذا التحكم. فالفيروس متفلت ويصعب التحكم فيه بشكل كبير. لا يمكننا أن نتحمل العجز عن توقع ما سيحدث بعد ذلك، وليس لدينا ترياق لذلك. وهذا يفسر هذه الزيادة المجنونة في الجهود المبذولة لاستعادة التحكم. لا يمكننا رؤية أو سماع المرض. لا نعرف ما إذا كانت هذه الفتاة الصغيرة التي سعلت بجوارنا في الشارع تحمل الفيروس؛ ربما تجهل ذلك هي بنفسها. قد يكون الفيروس في جسدي دون أن ألاحظ. وهذا يدفعنا للجنون، هذا العجز. يؤكد وباء كورونا فكرتي بأن عدم التوافر (l’indisponibilité) قد يعود إلى مجتمعاتنا في شكل وحش.
عندما يكون المرء ذو نزعة بيئية أو مناهضًا للرأسمالية، ألا يوجد خطر من أن ينتابه نوع من الفرح السيئ في مواجهة تباطؤ الاقتصاد العالمي؟
لا، لأن مجتمعاتنا الحديثة لا تعرف سوى الاستقرار الديناميكي. ففي عالم قائم على النمو، لا يمكننا أن نبطأ من سرعتنا دون أن نفقد توازننا. قد يعني تفشي الوباء إفلاس الشركات، وزيادة البطالة، وربما النقص أو الاضطراب في شبكات الإمداد. ومع أزمة سوق الأسهم الحالية، أرى سيناريوهات مظلمة للركود تلوح في الأفق، متبوعة بأزمات اجتماعية وسياسية. ناهيك عن أن معظم النظم الصحية ستتضرر بشدة … قد يكون الانكماش في الاقتصاد العالمي عام 2020 خبراً ساراً للطبيعة، لكني لا أرى من سيستفيد من ذلك دونها. من ناحية أخرى، من المأمول ولكن من غير المحتمل، أن يؤدي مثل هذا الوباء إلى إصلاح عميق لمؤسساتنا وأدائنا الاقتصادي. فمن المرجح أنه بعد الوباء، ستبدأ كل دولة، وكل شركة متعددة الجنسيات، في مطاردة النمو المفقود. لذلك ليس من الجيد أن نجد في هذه الظاهرة نوعا من الجاذبية.
أليس الحجر الصحي أيضا فرصة لعيش تجارب التجاوب؟
أن تكون في تناغم هو في رأيي أن تكون لديك علاقة متبادلة مع العالم والآخرين. تشعر أن صوتك يرن في العالم، وأن هذا الأخير يجيبك. يبدو لي الآن أن مثل هذا الوباء ركائز التجاوب (axes de résonance) لدينا. أنت تدخل الآن إلى مركز تسوق أو إلى صيدلية، وتتساءل عما إذا كان الفيروس موجودًا هنا، في الهواء. فالهواء يغطي الأرض وهو ضروري للحفاظ على العالم الإنساني، لكنه الآن معرض لخطر التسمم. كما هو الحال نفسه بالنسبة لمقبض الباب هذا، وطاولة المطعم هذه. إن الخوف من العدوى يهدد بشكل مباشر “أمننا الوجودي”، حسب تعبير السوسيولوجي “أنتوني جيدنز”. الأسوأ من ذلك، أننا لا نجرؤ على مصافحة أو تقبيل من نحب، أو ندخل في مغامرات شهوانية. لقد أصبحت العلاقات مريبة. وربما سيتم تعزيز بعض الانتماءات المجتمعية؟ لكني أشك في ذلك، وأخشى بالأحرى المزيد من الاغتراب.
وباء كورونا هو التباطؤ، ولكن بدون صدى/تناغم؟
نعم، بالضبط!