تأطير عام:
الإنسان كائن طبيعي مثله في ذلك مثل باقي الكائنات الطبيعية، والطبيعة في جوهرها هي نظام من القواعد المنضبطة التي بها يستمر التوازن في الكون فلا يخرج كائن على مساره ولا يخالف القوانين التي تحكم كينونته. وعلى هذا المستوى قد لا نجد اختلافا بين الإنسان وغيره من الكائنات، لهذا أقر سبينوزا أن الحتمية هي قانون الطبيعة وأن الاعتقاد بالحرية هو جهل بالأسباب التي كانت وراء هذا الفعل[1]. وهذا بالطبع على الصعيد الطبيعي العام حيث تسود قوانين الطبيعة الثابثة.
هل يدعو هذا إلى الرجوع إلى الفكرة الجبرية التي ترى أن كل شيء هو مقدر، وأن لا وجود للقدرة على الفعل ولا للفعل الحر؟
ليس الإنسان مجرد كائن طبيعي فما ميزه الله تعالى به هو منحة العقل، في حكاية خلق آدم يظهر هذا التميز،{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 30، 31]، هنالك شيء مميز لهذا المخلوق وهو العلم والمعرفة، إنها القدرة على تسمية الأشياء، والتسمية لا تنفصل عن المعرفة، واللغة لا تقوم بدون فكر، ليس هذا فحسب،{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35]، {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } [طه: 121] ، إنها واقعة الوجود الإنساني وسر الكينونة، فالله تعالى لم يرغم الإنسان بقوانين صارمة مثلما هو الحال بالنسبة للوجود الطبيعي، بل إنه بيّن له وترك له حرية الاختيار وتحمل المسؤولية. ولأنه قادر على المعرفة وقادر على الاختيار فقد تحمل مسؤولية اختياره.
هكذا تكون الحرية إذن جوهرا للوجود الإنساني، وبدون هذه الحرية ستنتفي كل أسرار خلق الإنسان ووجوده، أكدت على هذا كل الديانات السماوية، وجعلها الإسلام صلب المعنى الوجود الإنساني من خلال تكريم هذا الوجود وجعل التدين أمرا يهم الشخص وحريته الخاصة.
عندما نبحث في مفهوم الحرية سنجد أنفسنا أمام كم ضخم من الفلسفات والنظريات حول الموضوع، كلٌّ يتناولها من وجهة نظره، بل من وجهة الاهتمام الذي يوجهه وهو يحلل هذا المفهوم، لم نجد في تاريخ الفكر الإنساني فكرة حظيت بمثل ما حظيت به هذه الفكرة من درس وتحليل، والأمر يتعلق هنا بالزمان والمكان والتحديات التي وجهت نظر المفكر في الموضوع، وهي إما فكرية واجتماعية ومعرفية أو سياسية وأيديولوجية.
درسنا ونحن صغارا القولة المشهورة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار”، وعرفنا ونحن كبارا أن من منجزات القانون المعاصر: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يؤكد في مادته الأولى: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”[2]، بل إن المواد الموالية تأتي لتؤكد المطلب نفسه، وهو مطلب الحرية المرتبط بالكرامة الانسانية.
الجانب الذي سنناقش منه الموضوع المطروح أي “ضرورة الحرية”، هو الفكر العربي والوضع العربي، ويفرض علينا هذا تقديم أطروحة مفادها: أن أهم مظهر من مظاهر الأزمة التي يعيشها واقعنا العربي فكريا واجتماعيا هو غياب الحرية، ولهذا تعتبر الحرية أس كل تقدم ومبدأ كل تغيير، وإذا كان التقدم مرتبطا بالإبداع على كافة المستويات، فإنه لا يمكن أن يتحقق الإبداع في وضع تغيب فيه الحرية، والحرية هنا تشير إلى الحرية السياسية والاجتماعية، بحيث يحس الشخص بأنه يتصرف كما يريد، ويعبر عما يفكر فيه، ويختار في الحكم من يراه معبرا عن تطلعاته، والحرية هنا تعني تطبيقات الحرية في المجال السياسي والاجتماعي، ونحن نميل هنا إلى القول بأن التطبيق السياسي للحرية هو الذي يعطي للحرية معناها، فليست الحرية كلمة مجردة بل إنها واقع نفسي واجتماعي يحسه كل شخص يعيش مع الآخرين، وغياب الحرية السياسية في واقعنا هو المظهر الأبرز والمرآة التي تعكس باقي مظاهر الهشاشة والتخلف في بلادنا العربية.
قد يعترض على هذا بالقول بأن هذا أمر محسوم على المستوى النظري، غير أن الأمر هنا لا يتعلق بالجانب النظري، بل إننا أمام واقع سياسي يدعو إلى القول صراحة: إن الحل السياسي في العالم العربي هو إقامة أنظمة عسكرية واستبدادية بدعوى أن هذا الوضع هو الكفيل وحده بالقضاء على ما يسمى بالتطرف والإرهاب، ويعني هذا في الواقع السياسي العربي أن ظهور أي وضع تسوده الحرية سيصاحبه الإرهاب والتطرف. ورغم كون هذا التصور هو تصور لا معقول، فإنه يجد من يدافع عنه سواء في الغرب أو في العالم العربي، لهذا فإن العودة إلى التشديد على فكرة الحرية باعتبارها شرط كل تقدم وتنمية هي فكرة تؤكد نفسها ومشروعية طرحها ومناقشتها.
هذا المعنى الذي قدمناه للحرية هو واحد من المعاني الكثيرة، لكنه يعتبر المعنى الذي أعطي للحرية في العصر الحديث في الغرب، والذي كان من أهم شروط انتقاله من العصور المظلمة إلى عصر الحداثة، وهذا الشرط في نظرنا شرطٌ كوني ومشترك إنساني، بحيث إنه لا مجال لتصور تقدم في ظل استبداد، وهنا تصبح مقولة المستبد العادل، والتي شكلت جزءا من فكرنا ووعينا السياسي لوقت طويل، مقولة غير جائزة منطقا وغير صحيحة واقعا، فما سجل التاريخ حضارة في ظل الاستبداد، ولا يقبل واقعا أن يكون المستبد عادلا. لهذا فعندما استطاع الغرب تجاوز الاستبداد أسرع الخطى نحو التقدم، وهذا ما يعبر عنه بعصر الديمقراطية والحداثة.
لا نريد أن نعود هنا لمناقشة فكرة الحرية في التراث الفكري العربي والإسلامي، فهذا الموضوع يحتاج حقا إلى بحث عميق وواسع، نحن في حاجة إلى هذا من أجل التعرية على موقفنا الشعوري واللاشعوري الثقافي من قضية الحرية، لهذا سيقتصر عرضنا هنا على إطلالة مختصرة على فكرة الحرية باعتبار أنها كانت من شروط نهضة الغرب، ثم سنعرض للمجهود الفكري العربي في هذا الموضوع والذي لا يزال مستمرا ويحتاج إلى المزيد من التفكير، وكل هذا من أجل تأكيد الأطروحة القائلة بضرورة الحرية لكل تنمية وتقدم حضاري في الفضاء العربي.
أولا: الحرية في الفكر الغربي: صراع فكري للتخلص من الاستعباد
ترتبط فكرة الحرية في الفكر الغربي الحديث، كما تهمنا هنا، بقضيتين اثنتين كانا مدار نقاش عميق عند فلاسفة الغرب عموما، وهما: قضية الإنسان وقضية الدولة، هنالك ارتباط بين المفهومين باعتبار أن الحرية، حسب المقاربة التي نعرضها بها، ترتبط بالممارسة السياسية. وكما ترى حنا أرندت فإنه لا معنى للحرية خارج الممارسة السياسية، والتي تتجلى في الدولة [3].
قضية الإنسان:
إن التصور الذي نكوّنه حول الإنسان هو الذي يحدد الطريقة التي نتعامل بها معه، و في كل حضارة من الحضارات التي مرت كانت هنالك نظرة معينة للإنسان، عليها بنيت كل القوانين والسلوكات الاجتماعية داخل هذه الحضارة، والعلاقات الإنتاجية ليست هنا هي المحدد الأساس كما ترى الماركسية، بل إنها هي في حد ذاتها نتيجة لما نفهم به الإنسان والعلاقات الاجتماعية، ففي الحضارة اليونانية على سبيل المثال كان أرسطو يتصور أن العبد آلة مثل باقي الآلات، وهذا يعني أنه مجردٌ من إنسانيته ولا يرقى إلى مستوى الإنسانية لنتعامل معه باعتباره إنسانا.
وفي المنحى نفسه سار أفلاطون من قبل وغيره من الفلاسفة اليونان، أما الرومان فقد تصوروا أن غير الروماني هو كائن همجي، مع ما كانت تحمل هذه العبارة من دلالات في وقتها. وعندما تأتي الآيات القرآنية لتؤكد على كرامة الإنسان فإنها تقدم تصورا آخر لهذا الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وفي الحديث النبوي الشريف: “كلكم من آدم وآدم من تراب..”،هكذا يتبين أن تصورنا عن الإنسان يؤسس لتعاملنا معه.
وفي واقعنا العربي فإن تصورنا عن الإنسان هو أس كل مشكلاتنا المتعلقة بالحرية السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان في العالم العربي. وهذا ما يؤطر أطروحتنا حول ضرورة الحرية وعلاقتها بالتقدم والتنمية، وهي قضية سنعود إليها ضمن حديثنا عن تصور الإنسان في الفكر والواقع السياسي والاجتماعي العربي.
يعتبر موضوع الإنسان هو أكثر المواضيع بحثا في الفلسفة الغربية منذ العصر الحديث وإلى اليوم، هذا التأمل في الإنسان هو الذي قدم لنا ما نعرفه عن الواقع الغربي الآن، وهو احترام الإنسان باعتباره شخصا والتأكيد المتواصل على حريته وحقوقه، بل إن هذا المسار في الاعتراف بالإنسان قد وصل إلى مدى ما كنا لنتصوره من قبل، فالإنسان هو في الأساس شخص يملك حقوقا طبيعية، و الوجود الاجتماعي لا يعني أن تسود روح اجتماعية تخفي ما للشخص من حرية وحقوق، والدولة تحمي الشخص عبر الحرص على تطبيق القانون، و أهم ما في القانون حماية الحريات وحسن توزيع الخيرات، ومصدر القانون وعمل الدولة هو الشخص وليس الروح الجماعي باعتبار القانون المنظم للمجتمع نابع عن التعاقد بين أشخاص يملكون حق الحرية بالطبيعة.
كل هذا يعني أن الفكر السياسي الحديث في عمومه هو تفكير يحاول أن يؤسس لمفهوم الدولة التي تقطع بطريقة حاسمة مع الفكر الوسطوي الكنسي، والذي يغيب فيه مفهوم الشخص، لصالح مفهوم غامض يعتبر أن الأولوية هي للمجتمع، وما على الفرد إلا أن يخضع للمجموع، وأيضا باعتبار الإنسان عاجزا لوحده عن الوصول إلى المعرفة وإلى الخلاص، فقدراته محدودة، وإعطاؤه الحرية يعني إطلاق فعله للمجهول.
إن التصور الحديث كان عكس هذا تماما، فالإيمان بقدرات الإنسان ركن أساس في تحديد مفهوم الشخص، نلاحظ هنا النفس العقلاني في تفسير مفهوم الإنسان، وطبيعة الإنسان تأتي من طبيعة الشخص القادر الحر الذي يعيش في مجتمع عادل بضمان دولة تطبق القانون وتمنح الحقوق وتحقق العدالة، ولا تتحقق العدالة إلا عندما يتمتع كل الأشخاص في المجتمع بنفس درجة المساواة ونفس الحرية، لا فرق هنا بين عمرو وزيد، لأن الحرية هي حرية التعبير وحرية التصرف وحرية التفكير وحرية تبَنّي ما يشاء من أفكار ومعتقدات، والقانون لا يتدخل في أفكار الناس ومعتقداتهم، فهو يتدخل فقط عند خرق البعض للتعاقد الاجتماعي بالعيش الجماعي في ظل الحرية والمساواة[4]. وكما يؤكد مونتسكيو فإنه لا حرية خارج القانون، والقانون هو ما نتعاقد عليه.
بدأ هذا التصور يتبلور ويتجاوز التقاليد التي سادت في الفكر الغربي السابق، والتي كرستها الكنيسة بهرميتها المعقدة مند عصر النهضة، وبلغ مداه في القرن السابع عشر مع فلاسفة العقد الاجتماعي مثل هوبز ولوك وروسو ومونتسكيو وغيرهم وبعدهم مع فلاسفة عصر الأنوار مثل ديدرو ودولباخ ودو تراسي وغيرهم، وكان لفكر هؤلاء كلهم تأثير قوي على الفلسفة الغربية حول الإنسان، كما نجد ذلك في فلسفة كانط وهيجل وفلاسفة القرن التاسع عشر عموما، وفي القرن التاسع عشر انتقل الفكر الغربي من مجرد التنظير لمفهوم الشخص إلى وضع المدونات الأولى التي تقنن اجتماعيا لكيفية ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية.
قضية الدولة
عرف التاريخ الإنساني أنماطا مختلفة من الدولة، هذا الأمر يطرح مشكلة تعريف المفهوم، لكن الدولة في التاريخ ما قبل الحديث ارتبطت خصوصا بالكيانات العصبية، كما يرى ابن خلدون، أو بسيطرة العائلات، أو بنفوذ المؤسسة الدينية كما كان ذلك معروفا في العصر الوسيط على الخصوص؛ نلجأ هنا إلى تعريف بسيط للدولة كما نحسها ونعيشها في واقعنا العربي، ولا نريد أن نتعمق في عرضٍ لمفهوم الدولة من الناحية الفلسفية النظرية، وإن كان للتصورات الفلسفية على اختلاف توجهاتها أهمية كبرى على اعتبار أن كل هذه التصورات تستقي رؤيتها مما عرفه الواقع الإنساني من دول، فالدولة بالنسبة لنا هي مجموع الأنظمة السياسية التي تمارس السلطة في العالم العربي، وهنا لن نلجأ إلى الحديث عن مؤسسات الدولة في العالم العربي باعتبار غياب هذه المؤسسات داخل الدول العربية في مجموعها، و ليست هنالك تمايزات بين مؤسسات الدولة كما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية. هنالك في الغالب مؤسسة واحدة يصدر عنها كل شيء، وهنا لا يمكن الحديث عن الحرية، لا علاقة للدولة العربية المعاصرة بمفهوم الحرية، والسلطة السياسية هي سلطة فعلية ولا تملك كل مقومات المشروعية بالمعنى السياسي الحديث، ويبدو لنا هنا أن المقومات التقليدية التي تدعي الدولة العربية الحالية أنها تمثلها وتقوم عليها لا تمدنا بمعنى حقيقي للحرية، وهذا ما يجعل من هذه الدولة في الغالب دولة استبداد وليست دولة حرية، فعوض أن تكون الدولة خادمة للمواطن في ظل الحرية فإن المواطن هو الذي يكون خادما للدولة وأداة من أدوات تكريس الدولة لاستبدادها، وإذا كان التعميم المطلق هنا مخلا بموضوع الأطروحة فإن الاستثناء لاحكم له.
مثل هذه الصورة هي التي كانت سائدة قبل العصر الحديث في التاريخ الغربي فانبرى الفكر الحديث لنقدها وتجاوزها.
علاقة الدولة بالحرية تنبثق من أساس مشروعية الدولة، و الدولة تكون قوية وسلطتها تكون سلطة حقيقية بأساس مشروعيتها، و مشروعية الدولة في الفكر العقلاني الديمقراطي تستمدها من الشعب، فالشعب هو مصدر المشروعية ومصدر السلطة،لن ندخل هنا في المناقشات المتعلقة بالرؤى المختلفة حول علاقة حالة الطبيعة بحالة المجتمع المدني، ولكن نقول: إن التعاقد هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة، هذا أساس عقلي يتجاوز كل المشروعيات التي سادت لحد الآن، والشعب هو صاحب السلطة التي يخولها للدولة عبر التعبير الحر والانتخاب، وهنا تتكرس الحرية.
يرى سبينوزا أن الغاية الأساس من قيام الدولة هي ضمان الحرية، ليس هذا فقط بل إن هذه الحرية هي شرط كل إبداع لدى الفرد والمجتمع. يقول سبينوزا في هذا الصدد: “إن الحرية هي العامل الأساس لتقدم العلوم والفنون، فلو حدث أن فرضت السلطة على المواطنين أفكارها، فإنها لن تستطيع أن تجعل أفكارهم مطابقة لأفكارها، وبذلك ينتهي المواطنون إلى النفاق، ويقولون ما لا يعلمون، ويضيع حسن النية ويسود الخداع والمحاباة ويعم السقوط، كلما سلبت منهم الحرية زاد السقوط، وكلما التجأوا إلى باطنهم ليعثروا فيه على حريتهم، فاض الكيل، وناصبوا السلطة العداء علنا، وأثاروا القلاقل والفتن، فهذه هي الطبيعة الإنسانية، ويكون القانون هو السبب في إثارة دعاة الخير لا في كبح جماح الظالمين، ويكون تطبيق القانون هو أعظم خطر يهدد الدولة التي يرفضها الأحرار ويتملق لها الانتهازيون، ويصعب على الدولة التراجع حينئذ عما هي فيه، إن القوانين تهدف إلى تهدئة المشاعر لا إلى إثارتها، أليس الأجدر إذن أن تراعي عواطف الجماهير من أن توضع لها قوانين عاجزة؟”[5].
يصور هذا النص إذن حالة تخص الطبيعة الإنسانية وعلاقة المواطن بالدولة وكأنه هنا يتحدث عن واقع دول الاستبداد كما سادت وكما هي سائدة اليوم وبالخصوص في الوطن العربي، ويعرض جون لوك لهذا الأمر بشكل مفصل ينم عن فكر متقدم يبين المعنى الحقيقي للدولة التي يجب أن تحرص على مصالح مواطنيها بشكل يضمن الحق في العدالة. وهذا في رسالته القيمة : “رسالة في التسامح” يبين فيه أن غاية الدولة هي ضمان الحريات وحسن توزيع الخيرات ولا سلطة لها على أفكار الناس وعقائدهم[6]. وهل يختلف هذا عن روح الإسلام الحق؟[7]
ثانيا: فكرة الحرية في الفكر العربي الحديث: تأثير ضعيف وصدى قصير المدى
إن مناقشة قضية الحرية ليست جديدة في الفكر العربي الحديث، وقد عرضت هذه القضية عبر مستويات كثيرة، بل إنها كانت من القضايا الأكثر نقاشا عند رواد الفكر العربي الحديث، نذكر هنا على سبيل المثال: الطهطاوي وخير الدين التونسي والكواكبي وأحمد لطفي السيد وأديب إسحاق وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وغيرهم[8]. فكل هؤلاء وغيرهم طرحوا قضية الحرية سواء في علاقتها بالسياسة أو بالحياة الفكرية أو الاجتماعية.
ويلاحظ عند هؤلاء أن نقاشهم بقي نقاشا فكريا ولم ينتقل إلى أن يكون مشروعا سياسيا يتجسد في هيئة سياسية تناضل من أجل مشروع يدعو إلى الحرية والديمقراطية، بل إن المفاهيم المرتبطة بالحرية نفسها لم تكن واضحة بما فيه الكفاية، إن الحرية إلى الآن كانت ولا تزال تحمل مضمونا قيميا يشير إلى ما يجب أن تكون عليه حياة الناس، وليس ما يضع إجراء عمليا نغير به حياة الناس من العبودية والاستبداد إلى الحرية الفعلية المتجسدة في قوانين.
ومن المفاهيم المرتبطة بالحرية والتي لم تكن بالوضوح الكافي عند مفكرينا: مفهوم الديمقراطية، ومفهوم الاستبداد، ومفهوم حرية التعبير، وحقوق الإنسان، وغيرها من المفاهيم التي لا قيام لمفهوم الحرية كما نتحدث عنها هنا بدونها، إضافة إلى هذا فإن هؤلاء المفكرين لم يكونوا جزءا من تنظيمات سياسية لها مشروع لبسط الحرية، بل إن مفهوم الحرية نفسه، وكما قُدم في الأدبيات الفلسفية والسياسية الحديثة في الغرب، وخصوصا كما جاءت به الثورة الفرنسية، لم يكن له مقابل واضح من الناحية الواقعية، الدليل على ذلك، حسب ما نرى، أن أغلب هؤلاء الذين تحدثوا عن الحرية أصبحوا موظفين عاديين في آلة إدارية لا علاقة لها بمبادئ الحرية بالمعنى الحديث، والدليل الآخر هو أن دعوات الحُرية وعلى الرغم من عموميتها قد خلقت رجة فكرية واجتماعية وسياسية في الواقع العربي، نذكر هنا ما وُوجِه به قاسم أمين وعلي عبد الرازق والكواكبي وغيرهم، لم يكن المجتمع السياسي، كما هو الأمر لحد الآن، مستعدا للحرية، ولذلك استغل الرفض الاجتماعي الذي قوبلت به بعض دعوات الحرية وتوظيفها في الحط من قيمة المفهوم على المستوى السياسي، بل إنه كان يضيق ذرعا بهؤلاء الدعاة إلى الإصلاح في كثير من الأحيان، وهذا من طبائع الاستبداد التي تحدث عنها الكواكبي.
ومن الأمثلة على ذلك هو الطريقة التي استغلت بها المواجهة ضد دعوة قاسم أمين لحرية المرأة، لقد كان جهدا كبيرا ورائدا ذلك الذي قام به رواد النهضة في حينها غير أن الأجواء السياسية والاجتماعية لم تكن بعد مستعدة لسماع كلام عام عن الحرية مثل الذي جادت به مؤلفات الطهطاوي وقاسم أمين والكواكبي وغيرهم، ويبدو أن الباب الكبير الذي ولج منه هؤلاء الرواد من أجل بسط أفكارهم هو وصف حال أروبا حينها والتي كانت في فورة وحماس كبيرين للتغيير ونشر الحرية بمعناها السياسي خصوصا، وهنا نذكر على الخصوص المفكرَين الكبيرَين: رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي، بل إن المتحدثين عن الحرية في الفكر العربي الحديث كانوا يكتبون وعينهم على رد الفعل ورجع الصدى من طرف السياسيين الذين يوجه إليهم هذا القول صراحة أو ضمنا، ويبدو أن الصراحة في هذه المواقف تكون عملة نادرة.
مع إقرارنا بأن أحكامنا هذه تنحو نحو شيء من العمومية، لكن هذا ضروري بالنسبة إلينا للتدليل على ما نريد قوله من أن غياب الحرية معضلة أساس فيما نعيشه من أوضاع في الوطن العربي، لهذا قلنا بأن المجهود المبذول من قبل رواد الفكر العربي وإلى اليوم، كان تأثيرا ضعيفا على الواقع السياسي العربي.
وعند بداية الحملات الاستعمارية بدأنا نسمع بمفهوم الحرية السياسية وارتبط هذا بكون المشروع الاستعماري، ادعى لنفسه، أنه مشروع من أجل نشر الحرية، وارتباط المد الاستعماري بظواهر سياسية جديدة لم يكن بإمكان مفكرينا أن يصلوا إليها، وهنا ظهرت مفاهيم القومية والدستور والدولة الوطنية وغيرها.
ثالثا: قضية الحرية في الواقع العربي: اختلال العلاقة بين الفكر والواقع
قضية الحرية كما نعرضها الآن تبين بجلاء الفجوة الكبيرة في واقعنا بين الفكر والواقع، واللغة التي نكتب بها هي تعبير عن المدى الذي نريد الوصول اليه في الخطاب الذي نوجهه، ويبدو أننا قد كتبنا الكثير في موضوع الحرية منذ بداية عصر النهضة العربية، لكن خطابنا بقي مشروعا فكريا أكثر من كونه مشروعا واقعيا مرفوقا بتنظيم سياسي قادر على المنافسة والصراع من أجل إقامة نظام سياسي ودولة حرة.
وقد أكدت التجربة الحديثة في التاريخ العربي أن حمل شعارات الحرية على الصعيد الفكري كانت عاجزة عن توطيد واقع الحرية في الدولة العربية الحديثة، هنا نقف على سؤالين يحتاجان إلى بحث وتمحيص وهما: هل مفهوم الحرية كما دعا إليه مفكرونا كان موجها فقط إلى ضرورة قيام حرية اجتماعية تتجه إلى الحرية الشخصية وأن حدود الحرية تقف عند هذا الحد؟ نقول هذا لأننا نرى أن الدولة العربية تنافس فقط على هذا المعنى للحرية، وتعتبره إنجازا في الوقت الذي تكرس فيه مظاهر الاستبداد السياسي، المثال على ذلك هو دعوات الحرية في الخليج العربي حاليا.
أما السؤال الثاني: هل كانت الدولة القطرية عائقا أمام توطيد فكرة الحرية والواقع الحر أم أن الأمر يتجاوز هذه الدولة القطرية؟ يظهر هذا عندما نراجع التاريخ العربي الحديث وخصوصا قبل قيام الدول القطرية، حيث نلاحظ أن المد التحرري كان أوسع وأكثر إشعاعا منه اليوم، فعندما قامت الدولة القطرية عملت جاهدة على الوقوف سدا منيعا ضد انتشار الحرية السياسية بل إنها كرست عوض ذلك مظاهر الاستبداد الذي لا يقبل في عصرنا، فعوض قيام أنظمة ديمقراطية مدنية تحمل هم التخلص من الاستعمار والتخلف، وجدنا أنفسنا أمام أنظمة شمولية بالمعنى الذي يقدمه بعض المفكرين المعاصرين[9] ،والشمولية أو ما يمكن تسميته بالاستبداد السياسي العربي هو السمة المميزة لكثير من الأنظمة السياسية العربية وخصوصا تلك التي كانت تختبئ تحت مظلة التقدم والتحرير والوحدة والاشتراكية وغيرها، بل إن بعضها أقام أحزاب تبدو في ظاهرها أنها أحزاب سياسية ولكنها منظمات حاملة لأيديولوجية الاستبداد في مضمونها، ونعرض هنا عن تقديم أسماء معينة لكي لا نسقط في الاختزال ، لكن الأمثلة في عمومها معروفة في النماذج الصارخة لأنظمة الاستبداد في الواقع السياسي العربي المعاصر.
رابعا: ضرورة الحرية: العلاقة بين تكريس الحرية والنهوض الحضاري/صور ونماذج
نعود الآن من جديد إلى الفكرة التي بنينا عليها قولنا في هذا المقال، إن الحرية هي ضرورة سياسية واجتماعية ونفسية من أجل بناء النموذج العربي في التقدم والبناء الحضاري، ولأن الأمر بهذه الأهمية فإن القوى الغربية تتفق جميعها على ضرورة إجهاض أي فرصة لانتقال النظام السياسي العربي من الاستبداد إلى الحرية، وعوض هذا يدافع الغرب عن مظاهر الحرية -رغم أهميتها- التي تبتعد قدر الإمكان عما هو سياسي، ويظهر هذا في التركيز على الحرية الشخصية وحرية المعتقد والحرية الاجتماعية وغيرها.
إن التصدي الغربي للطموح نحو الحرية في البلاد العربية يدل دلالة كبيرة على علمه بما تمثله الحرية من خطر على المصالح الغربية في البلاد العربية، لن نسرد هنا الأمثلة فهي كثيرة ومعروفة بل إن الغرب يسند، ليس فقط الاستبداد والشمولية بمعناها العام، ولكنه يسكت أو يُعِين كل الأنظمة التي تعتمد أساليب في الحكم تخالف أبسط حقوق الإنسان، والتي تلجأ ليس فقط إلى التضييق على الحريات بل التي تعتمد مظاهر عنف جديدة ومتجددة في التاريخ الإنساني.
هذه دلائل من بين أخرى على أن الدفاع عن الحرية في المجال السياسي هو شرط لا محيد عنه لإعادة فكرة النهضة ووضعها على السكة الصحيحة، لسبب بسيط يشير إليه الأستاذ العروي وهو أنه يغيب علينا في الفضاء العربي معنى المجتمع السياسي[10].
سبق القول بأن فكرة الحرية ليست فقط مفهوما نظريا وأنه لا يمكن أن يكون للحديث عن الحرية فلسفيا آثار حقيقية على المستوى السياسي إذا لم تتجسد في تنظيمات سياسية ديمقراطية، تتمثل الديمقراطية فكرة وفعلا، وتناضل جماعيا من أجل الدفع بقطار التحرر إلى الأمام، على الرغم من العوائق والصعوبات والتحديات التي تعترض مثل هذا الجهد، لكنه جهد يجب أن يبذل، مثل هذه التنظيمات تمثلت في التاريخ السياسي العربي المعاصر في أحزاب وجمعيات، وأغلبها لم يكن يحمل من الديمقراطية والحرية إلا الإسم.
إذ كانت هذه الأحزاب في الغالب تقوم بدور الحارس الايديولوجي للنظام الاستبدادي، أو أنها كانت تدعو إلى الحرية بينما كانت تمارس الاستبداد على مستوى ممارستها وفعلها السياسي الداخلي، فالحرية لا يحملها ولا يستطيع أن يدافع عنها حقيقة إلا شخص حر فكرا وفعلا، إن الحرية فكرة قد تتحول بدورها إلى أيديولوجيا، ويبدو أنها كانت كذلك في الواقع السياسي للأحزاب والتنظيمات السياسية العربية في عمومها، و الأمثلة على هذا أوضح من أن نحتاج إلى ذكر نماذج عنها بعينها، ففي كثير من البلدان المتقدمة فإن الديمقراطية الداخلية للأحزاب هي شرط قانوني لقيام هذه الأحزاب، و الأحزاب السياسية ليست مِلكا لفرد أو طائفة، إنها في معناها العام تنظيمات تنبثق من روح عامة لعموم المواطنين أو لفئة منهم تكون متفقة على تصور فكري ومشروع سياسي واضح، ويبدو أن أهم مشروع لحزب سياسي حقيقي هو تمثل الحرية الداخلية وتقديمها باعتبارها نموذجا اجتماعيا.
هنا يظهر لنا ارتباط الحرية بالديمقراطية، ولكن أيضا ارتباط الديمقراطية بالتنمية والتقدم، فالتقدم بمعناه العام هو ابداع، والإبداع هو إرادة وقدرة يملكها المبدعون سواء بصفة فردية أو جماعية، والتقدم هنا لا يقف عند حدود الإبداع العلمي والتقني، فما كانت العلوم وحدها كافية لتجعل من أمةٍ أمةً مبدعة، والدليل على ذلك ما شهده العالم الإسلامي في فتراته الزاهية وأيضا ما عرفه التاريخ الغربي الحديث، بحيث أن النهضة كانت في البداية نهضة أدبية وإنسانية وجمالية، وكل هذا لا يتحقق إلا في بيئة حرة ، والحرية بالمعنى السياسي قد تكون في عمومها هي الديمقراطية عينها.
لقد اختُزل التقدم في الوطن العربي الحالي في انتشار التكنولوجيا أو في بعض المظاهر السلوكية، وهذا في ظل أوضاع تغيب فيها مظاهر الحرية على المستوى الفكري والأدبي وحتى في مجال الإبداع العلمي، عندما تغيب القدرة على التعبير يستحيل التقدم والإبداع.
تتذرع بعض الأنظمة العربية بالخوف على الثقافة المحلية والخوف على فقدان الهوية، والتمسك ببعض القيم الدينية، وتعلن نفسها حامية للأوطان والخوف عليها، وتسخّر في ذلك آلتها الإعلامية، بينما هي في الجوهر تقنن للاستبداد، وكبح كل محاولة للتعبير الحر عن الذات، فما نمت الثقافات بعيدا عن الحرية! فمع الاستبداد تخبو كل المظاهر الثقافية التي تعبر عن ذات الإنسان ووعيه الحقيقي وتعبيره الثقافي الصحيح.
نقيض الحرية هو العبودية، والعبد هو وسيلة في يد مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير، أي لا تكون له القدرة على الإبداع لأنه ينتظر الأمر من مولاه ويقف عند حدود ما يريد له السيد، و في واقع الاستبداد يصبح كل الناس عبيدا، ومع العبودية ينتشر الخوف لأن من حق السيد أن يعاقب العبد في كل لحظة بحجة وسبب أو بدونهما، ما دام العبد هو وسيلة بين باقي الوسائل المادية المستعملة،الواقع السياسي والاجتماعي الذي تغيب فيه الحرية يصبح مباشرة واقعا عبوديا أي واقعا يستحيل فيه الإبداع والقدرة على التعبير عن الذات وبالتالي التوقف الحضاري والعجز عن التقدم.
يبدو إذن، أن التقدم والتنمية رهين بنشر الحرية، ومن هنا القول بضرورة الحرية، يبقى السؤال هو: ما العمل؟
فيما يبدو لنا أن مجموع النقاشات التي تدور في نوادينا حول شروط التقدم والعلاقة بين العلم والمجتمع والعلاقة مع الآخر وغيرها، يجب أن تختزل في سؤال مركزي وهو: كيف نجعل من مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية حرة ومدافعة عن الحرية؟[11]فكل النقاشات الدائرة سيصبح لها معنى في ظل أوضاع تسودها الحرية، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن على نخبنا أن تكون نخبا حرة في تنظيمات سياسية واجتماعية حرة ومواطنة، أي على هذه الجهات أن تنتقل من مرحلة الحراسة الأيديولوجية للواقع السائد، إلى الوعي بأن قيمة وجودها تكمن في دفاعها عن الحرية والديمقراطية، لا يمكن أن يكون مثل هذا الأمر مهمة أكاديمية لأفراد ومجموعات فكرية فقط، هنالك ضرورة لا يستغنى عنه للطليعة الفكرية، لكن التجربة التاريخية أكدت أن هذا لا يكفي لإحداث التغيير.
ولهذا نجد أن الأنظمة الاستبدادية تلجأ أولا وقبل كل شيء إلى منع أي تنظيم حر، فتمنع قيام الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، أو أنها تنشئ نظام الحزب الواحد ليكون هنالك صوت واحد فقط في المجتمع، والدليل العقلي البسيط يؤكد أن هذا الشكل من الأنظمة هو شكل لا عقلاني ولا تقدمي، ولا يمكن أن يؤسس لأي مظهر من مظاهر التنمية والتقدم، والدليل بالنسبة لنا على ما نقول هو واقع الحال في الوطن العربي، بل إن رأي العين فيما هو موجود يقدم لنا خير دليل على أنه بغياب الحرية يحضر التخلف، ومن هنا نعود إلى القول بضرورة الحرّية.
[1] -سبينوزا (باروخ): رسالة في إصلاح العقل، ترجمة: جلال الدين سعيد (تونس، دار الجنوب للنشر، 1990) ط1. ص: 38.
[2] الجمعية العامة للأمم المتحدة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. المادة الأولى وما يليها.
[3] -الزين (محمد شوقي): الحرية جوهر السياسة، سؤال الحرية في التفكير الفلسفي والسياسي عند حنة أرندت ت مجلة الأزمنة الحديثة: مجلة فلسفية فصلية تعنى بشؤون الفكر والثقافة (مدير النشر: اسماعيل العلوي، الدار البيضاء، عدد 5، صيف 2012) ص:28
[4]– انظر في هذا المعنى: جون لوك: رسالة في التسامح. ترجمة: منى أبو سنة. تقديم ومراجعة: مراد وهبة (الاسكندرية، المجلس الأعلى للثقافة، 1997 ) ط1 . ص: 28 . ترجمة: منى أبو سنة..
[5] – سبينوزا(باروخ): رسالة في اللاهوت والسياسة ـ ترجمة وتقديم د. حسن حنفي. مراجعة د. فؤاد زكرياء (بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، 2005) ط 1، ص: 104
[6]-ومراجعة: مراد وهبة (الاسكندرية، المجلس الأعلى للثقافة، 1997) ط1. ص:24 . ترجمة: منى أبو سنة. تقديم التسامح لوك(جون): رسالة في التسامح .
[7]– ” في المنظور الإسلامي يكون مبدأ الحرية، هو المبدأ المحوري، الذي يؤسس لكل السلطات في المجتمع المسلم. إذ أن القدرة على الاختيار هي التي تحدد طبيعة السلطة ووظائفها المتعددة في الأمة والمجتمع. وتغييب الحرية والديمقراطية عن الأمة والمجتمع، بدعوى عدم النضج السياسي والاقتصادي هي من الأقنعة التي تستخدمها المشروعات الاستبدادية لكي تغطي استبداديتها وديكتاتوريتها. فالنضج السياسي والاقتصادي لا يتأتى إلا بالحرية، فحضور الحرية وممارستها من قبل المجتمع، هو الكفيل بتطوير مستوى النضج والإدراك والوعي” محمد محفوظ: الأمة والدولة من القطيعة إلى المصالحة لبناء المستقبل (بيروت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 2000) ط1. ص:23
[8]– يمكن العودة في هذا الموضوع إلى: العروي (عبد الله): مفهوم الحرية (بيروت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 2012) ط: 5. يعرض الأستاذ العروي في هذه الدراسة لمجموع المفارقات التي صاحبت انتقال مفهوم الحرية في الفكر العربي الحديث، وهنا فإنه يعمل على التأريخ لفكرة الحرية في الفكر العربي وكذلك في الفكر الغربي وكيفية الانتقال من الفكر الغربي إلى الفكر الإسلامي والعربي وخصوصا عند التيار الليبرالي. من بعض ما يلتقي مع ما نعرضه هنا: ” إن البحث الفلسفي في الحرية تافه جدا لأنه لا يبرهن، ولا يمكن أن يبرهن بحال، على الحرية الواقعية، يحس القارئ العربي الظروف القاسية الراهنة أن التحليلات الفلسفية لا تساوي شيئا. كل من ظن أنه رسخ قواعد الحرية في العالم الملموس بمجرد أنه تصورها وحددها يستحق بالفعل السخرية والاستهزاء. لكن الفيلسوف يعتبر عمله مدخلا لدراسة طرق الابداع والتغيير يستحق بالعكس التقدير والتشجيع. إن التوضيح الفلسفي يثبت مدى قدرتنا على تمثل الحرية. حينما نعي حق الوعي أن تحليل المفاهيم هو وسيلة لتنوير الذهن وتقويم المنطق نكون قد قطعنا شوطا بعيدا نحو التقريب بين الفكر والعمل، أو نحو الرفع من مردودية نشاطنا اليومي، حيث أن الكلمات تجسد مجالات مفهومية تشير إلى تجارب، والتجارب لا تترجم إلى الواقع الاجتماعي إلا إذا تم التعبير عنها بطرق مستساغة لدى الجميع” ص:8
[9] -د. الزاوي بغورة: الشمولية والحرية في الفلسفة السياسية المعاصرة (الكويت ـ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) مجلة عالم الفكر. المجلد 33 يناير مارس ـ 2005. ص: 23. يقدم الأستاذ بغورة في هذا المقال المعنى الفلسفي والسياسي للشمولية ويعرض هذا المعنى من خلال فلاسفة معاصرين استطاعوا تفكيك هذا المفهوم في علافته بالأنظمة السياسية الشمولية المعاصرة.
العروي ( عبد الله): مفهوم الدولة ( بيروت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 2014) ط 10 . ص:231 [10]
[11] -يقترح الأستاذ الجابري في هذا النطاق مشروع الكتلة التاريخية: ” إن المطلوب هو قيام كتلة تاريخية تنبني على المصلحة الموضوعية الواحدة التي تحرك، في العمق، ومن العمق، جميع التيارات التي تنجح في جعل أصدائها تتردد بين صفوف الشعب، لا بل بين صفوف الأمة، بصورة من الصور: المصلحة الموضوعية التي تعبر عنها شعارات الحرية والأصالة والديمقراطية والشورى والاشتراكية والعدل وحقوق أهل الحل والعقد وحقوق المستضعفين، وحقوق الأقليات والأليات. ذلك لأن الحق المهضوم في الواقع العربي الراهن هو حقوق كل من يقع خارج جماعة المحظوظين المستفيدين من غياب أصحاب الحق عن مراكز القرار والتنفيذ. إنه بدون قيام هذه الكتلة التاريخية التي عرف التاريخ العربي الإسلامي اشباها لها ونظائر، زمن النبوة وزمن الصحابة وفي فترات أخرى لاحقة كثيرة كان آخرها فترة النضال الوطني من أجل الاستقلال التي عاشتها البلاد العربية، وبلاد أخرى كثيرة، كل حسب ظروفه وملابسات وضعيته. بدون قيام كتلة تاريخية من هذا النوع لا يمكن تدشين مرحلة تاريخية جديدة يضمن لها النمو والاستمرار والاستقرار” د. الجابري (محمد عابد): وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر (بيروت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 1992) ط 1 . ص: 144