إن الباحث في الفكر المقاصدي عموما وفكر الإمام الشاطبي خصوصا، يجد نفسه حائرا في فهم العلاقة التي تربط الفضائل الخلقية السامية بالمقاصد الشرعية، وبالذات في موقع الأولى ومرتبتها في الثانية.
فمن جهة تثير انتباهه تلك المرتبة الدنيا التي وضعت للمكارم الخلقية في الفكر المقاصدي. حيث يبدو له أن العديد من العلماء لم يذكروا الفضائل الخلقية إلا في سياق حديثهم عن التحسينيات. ولم يفعلوا ذلك لا في الضروريات ولا في الحاجيات. وهذا يوهم بحصر المكارم الخلقية في المقاصد التحسينية([1]).
ومن جهة أخرى يلفت نظره ذلك البعد المركزي، والمساحة الشاسعة التي تحتلها القيم الأخلاقية السامية في المقاصد الشرعية. حيث إن العديد من أعلام المقاصد، وفي طليعتهم الإمام الشاطبي -رحمه الله – يؤكدون أن الصرح المقاصدي كله مبني على الفضائل الخلقية. فهي كلية الشريعة وعمودها وأساسها الذي تنبني عليه.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما موقع مكارم الأخلاق في المقاصد؟ وما موقف الإمام الشاطبي من حصر المكارم الخلقية في المقاصد التحسينية؟ هل الفضائل الخلقية محصورة فعلا في قسم التحسينيات؟ أم أنها تشمل جميع المقاصد؟ وتتفاوت بتفاوتها؟ وما مراد علماء المقاصد بمكارم الأخلاق المندرجة في التحسينيات؟