توطئة:
تَدين الإصلاحية المعاصرة خصوصا الإسلامية منها بالكثير للرئيس المفكر علي عزت بيجوفتش، الذي وصفه الدكتور عبد الوهاب المسيري ب” المجتهد المجاهد”، وقد كانت أفكاره الإصلاحية واجتهاداته الفكرية والسياسية ذات البعد الثقافي بمثابة البلسم الشافي لكثير من المآزق التي كانت تعتور مسيرة العمل الإسلامي الإصلاحي في كثير من البلدان العربية و الإسلامية، خصوصا بعد انفتاح الفكر الإصلاحي العربي على التجربة الفكرية والحضارية لدول شرق أوربا المسلمة ، إبان سقوط جدار برلين و تفكك الاتحاد السُّوفياتي وتداعيات ذلك الفكرية والسياسية، والتجربة المريرة التي عاشتها الشعوب المسلمة في اطار الحرب العنصرية والتصفية الجسدية بسبب الدين والعرق.
ولذلك أقول بأن هذا النموذج الإصلاحي والفكري والثقافي الذي أنتجته هذه التجربة الإسلامية في شرق أوربا لم تُسلط عليها أضواء البحث العلمي بالشكل الكافي والمطلوب، وإن كانت هناك بعض البحوث والدراسات فهي قليلة إلى نادرة، ومن أهم الأعمال التي قام بها الفكر العربي المعاصر هو ترجمة بعض أعمال الرواد والشخصيات إلى اللغة العربية، ومن بينها أعمال المفكر الرئيس علي عزت بيجوفتش.
والمطلع على كتابات علي عزت بيجوفتش يدرك بأنه ليس مفكرا عاديا ولا مثقفا بعيدا عن الواقع، بل كان يشتغل بعمق وأفق في صياغة نظرية ثقافية تستند إلى المرجعية الإسلامية من أجل تجاوز المعوقات التي كانت تكبح الفكرة الإسلامية في تأكيد معقوليتها وقدرتها على تجاوز أزمة الذات الحضارية، أو اقتراح حلول ناجعة لأزمة الآخر سواء أكان شرقا أو غربا.
ولا شك أن المشْكلات والتحديات التي يعرفها الراهن الحضَاري، تستوجب تعميق النظر في المقولات الإصلاحية والرؤى النهضوية التي يمكن أن تقلل من حالات التوتر على الأقل، دون أن تسهم في استفحال الأزمة وديمومة الإخفاق.
وفي هذا البحث المقتضب نحاول رصد الملامح الكبرى للرؤية الثقافية التي حاول علي عزت بيجوفيتش التنظير لها، من أجل التفاعل مع الأسئلة الصعبة والإشكالات المعقدة التي تعيشها الأمة الإسلامية.
فإلى أي حد تسعفنا كتابات بيجوفيتش في استجلاء معالم نظريته في الثقافة؟ وكيف يمكن أن تفيد الأمة من المقولات الفكرية والمفاهيم الحضارية الكبرى التي اجتهد علي عزت في نحتها وتطويرها؟ وماهي المداخل المعرفية لقراءة المنجز الفكري لعلي عزت بيجوفتش؟ كلُّ ذلك من أجل ترشيد مسيرة الإصلاح وضبط بوصلة النهضة نحو قبلتها ووجهتها من أجل تحقيق مقاصدها ومراميها.
-من هو علي عزت بيجوفتش؟
في الثالث والعشرين من شعبان سنة 1424ه، والتاسع عشر من شهر كتوبر سنة 2003م، فقدت البوسنة والهرسك، وفقد المسلمون بل العام أجمع “علي عزت بيجوفيتش”، بعد نحو ثمانية وسبعين عاماً قضاها في رحلة الحياة، ورحلة العلم والعمل والفكر والجهاد، فهو المفكر الألمعي والسياسي المبدئي والمثقف العضوي والمجتهد المجاهد[1].
وُلد علي عزت بيجوفيتش عام 1344هـ / 1925م في مدينة “بوسانا كروبا” شمال غربي البوسنة في أسرة أصيلة وعريقة في الإسلام.
ترعْرع علي عزت بيجوفيتش في أسرة مُسلمة أصيلة من عرق البوشناق، تلقى تعليمه الأولي في مدارس مدينة “سراييفو”، وفيها أكمَل تعليمه الثانوي عام 1943 والتحق بجامعتها حيثُ حصل الشَّهادة العليا في القانون سنة 1950، ثم نال بعد ذلك شهادة الدكتوراه عام 1962، وعلى شهادة أخرى عليا في الاقتصَاد عام 1964، وبيجوفيتش يتقن اللغات الحية فهو يقرأ ويتحدَّث ويكتب باللغات الأجنبية: الألمانِية، والفَرنسية، والإنجليزية، مع إلمام جيد باللغة العَربية، هذا الالمام باللغة العربية جعله يتذوق جمال القرآن المجيد والاستمداد الروحي والعلمي والمنهجي من درره وجواهره.
المسار العلمي لبيجوفيتش وازاه مسار نضالي ودعوي وجهادي من خلال انسِلاكه المبكر في سلك الدعوة الإسلامية والفعل الإصلاحي، ففي سنة 1940م أسهم مع زملاء له في السن نفسه تقريبا، في تأسيس جمعية ” الشبان المسلمين” ببلاد البلقان ،قصد بعْث الفكرة الإسلامية ومحاولة حمايتها من المد الشيوعي وقتئذ الذي ارتبط بالإلحاد ورفض الفكرة الدينية، بعد ذلك بحوالي ست سنوات حرض بعض الحاقدين السلطات الشيوعية على بيجوفيتش وإخوته، فقامت الحكومة باعتقاله هو ورفيق دربه “نجيب شاكر” بسبب اصدار جريدة “المجاهد” ذات المرجعية الإسلامية.
وبعد الاكتساح النازي لبلاد البلقان كان موقف بيجوفيتش هو الرفض لهذا الفكر جملة وتفصيلا لأنه معاد للإسلام، بل هو معاد للإنسان. فعندما اجتاح القائد النازي هتلر يوغسلافيا خلال الحرب العالمية الثانية واحتلها في أبريل 1941 تنادى بعض أبناء البلقان إلى تأسيس حزب نازي- الأشتاشا – بسبب تأثرهم وانبهارهم بالفكر النازي المنتصر والغالب، وحاولوا استمالة الشباب المسلم في بلاد البلقان، فتصدّى لهم الطالب الشاب علي عزت وزملاؤه في جمعية “الشبان المسلمين” وبينوا لعموم المسلمين أن الفكر النازي معادٍ للإسلام بل وللإنسانية كذلك.
بعد اندحار النازية جراء هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وسيطرت الشيوعية على يوغزلافيا التي اتُّخذت مذهبا فكريا ومنهجا ايديولوجيا أواخر عام 1945، حيث اسعدت الدين وسلطت هجمتها على المسلمين، فقد أغلقوا المساجد، ومنعوا تحفيظ القرآن المجيد، ومنعوا إقامة الشعائر التعبدية، بل نهجوا نهج الاضطهاد بحق المسلمين علماء وطلبة، سجنا وقتلا ومطاردة.
تصدّى الطالب الشاب الفتي علي عزت للشيوعية، كما كان يتصدّى للنازية، فاعتقله الشيوعيون مراراً، وهو طالب في الجامعة، فبالإضافة إلى كثير من المضايقات والمتابعات تم اعتقال بيجوفيتش سنة 1983م، وظل في المعتقل إلى أن اطلِق سراحه سنة 1988م.
بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، وتصدع الاتحاد اليوغوسلافي 1990م، لم تستطع الأنظمة الشيوعية الوقوف في وجه حركة الشعوب التواقة إلى الحرية والتصالح مع الهوية، فاضطر الحزب الشيوعي اليوغسلافي إلى السماح بالتعددية السياسية، فاستثمر علي عزت بيجوفيتش هذه الفرصة، وأسس حزب العمل الديمقراطي، حيث فاز في الانتخابات الرئاسية، وصار رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك، في جمادى الأولى 1411هـ/ نوفمبر 1990م.
بعد تقلده السلطة رئيسا لجمهورية البوسنة والهرسك، كان بيجوفيتش يؤمن بالديمقراطية وأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، فنظم استفتاء شعبياً على الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي، على منوال استقلال كرواتيا وسلوفينيا، فصوت الشعب على الاستقلال بأكثرية 63%، انسجاما مع هويته وتفاعلا مع محيطه الإقليمي والدولي، الذي عرف استقلال الكثير من الدول عن الاتحاد السوفياتي، والانخراط في سلك دول شرقا أوربا التي تبنت الديمقراطية مدخلا للتداول على السلطة وبناء دولة المؤسسات.
ولكن الغرب بخلفيته الصليبية الحاقدة لم يرض بهذه النتيجة، فشنّ حملة إعلامية ظالمة ضد مسلمي البوسنة، الأمر الذي جعل الصرب الهمج ينقضون على البوسنة، في حرب عرقية دينية دموية، وحرب إبادة شاملة، وتطوع آلاف من نصارى أوربا للقتال في صفوف الصرب، ووقعت الدولة البوسنية الوليدة بين فكي كماشة، فالصرب من جهة، والكروات من جهة ثانية “لقد فُرض على شعب البوسنة حرب إبادة لتقويض وجوده المادي والمعنوي تماماً، وفُرض عليه حظر التسلح حتى لا يمتلك وسيلة للدفاع الشرعي عن نفسه، ووقف الغرب يتفرج على هذه المذبحة التاريخية للمسلمين، أما الصياح الذي يرتفع هنا وهناك عن مفاوضات السلام، وحقوق الإنسان، والمساعدات الإنسانية للمسلمين، وتدخّل النظام العالمي الجديد، والوجبات التي أسقطتها الطائرات ثلاث مرات في مكان، أو مرتين، على شعب محاصر جائع، على مدى ستة عشر شهراً.. كل هذا ليس إلا مظاهرات إعلامية للاستهلاك العاطفي”.
2-عرض موجز لمؤلفات على عزت بيجوفتش:
كُتب علي عزت المتَرجمة إلى اللغة العربية، والتي بين يدي والتي اشتغلت عليها هي:
1- ، الإسلام بين الشرق والغرب[2]، ت: محمد يوسف عدس، مؤسسة العلم الحديث، ط1، بيروت، يناير 1994م.
2- ، الإعلان الإسلامي[3]، تقديم أبو زيد المقرئ الإدريسي ، منشورات الراية ، الطبعة الأولى 1994م، مطبعة الساحل.
3- ، عوائق النهضة الإسلامية[4]، ت: حسين عمر سباهيتش، منشورات الفرقان-المغرب الجزء الأول والثاني، طبعة 1996-1997.
-4، هروبي إلى الحرية[5]، ت: إسماعيل أبو البندورة، مراجعة: محمد أرناؤوط، دار الفكر، ط1، دمشق ــ سوريا، ماي 2002م.
-5، مذكرات[6] علي عزت بيجوفيتش الرئيس السابق لجمهورية البوسنة والهرسك، ترجمة وإعداد محمد يوسف عدس، كتاب المختار، القاهرة، الطبعة الأولى 2003.
يقول الأستاذ محمد يوسف عدس مترجم كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب”، “إن الذي يقرأ مؤلفات علي عزت يدرك أنه أمام مفكر إسلامي شامخ من طراز جديد غير معهود. والحق أنني استشعرت هذه الروح وأنا أقرأ كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» في طبعته الإنجليزية عندما قدمه إليَّ ابني ياسر أثناء إقامتي في لندن قائلاً: هذا كتاب متميز، أعرف أنه سينال إعجابك، وهو جدير بأن تُعنى بترجمته إلى العربية. فلما فرغت من قراءته دهشت أن أكتشف مفكرًا إسلاميًا على هذا المستوى في قلب أوربا. ووجدت نفسي منهمكًا في ترجمة الكتاب دون أن أفكر في أمر نشره حينذاك، فقد أرجأت التفكير في تفاصيل ذلك لحين الانتهاء من الترجمة. [7]
ويؤكد هذا المعنى علي عزت من خلال تصديره لكتاب «هروبي إلى الحرية” بقوله: “فقيمة هذه الأفكار لا تكمن في الأفكار ذاتها، ولكن بالأحرى في الظروف التي كُتبتْ فيها، فعلى هذا الجانب من الجدار كان هناك الصمت المطبق داخل السجن، وفي الخارج كان ثمة إشارات لعاصفة ستتحول في عام 1988 إلى إعصار سيسحق جدار برلين، ويُطيح بكل من هونيكو وشاوشيسكو، ويقضي على حلف وارسوا، ويزلزل الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا” .. [8]
في الخاطرة 2361 يقول علي:” تزامن خمود الفكر النقدي في الثقافة الإسلامية في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي مع بدايات التدهور والانحدار السريع في كل المجالات. حيث سادت عمليات التكرار المتواصلة والتصانيف المدرسية المتحذلقة، لتبدأ حقبة من السبات التاريخي التي استمرت حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي”[9] .
أولا: ما سبب تخلف المسلمين؟
استشكل علي عزت بيجوفيتش السؤال الكبير[10] الذي ظل يؤرق كل رواد الإصلاح والنهضة : ما الذي أدى بالمسلمين إلى التخلف والضعف والانحطاط بالصورة التي نراها اليوم؟ يجيب على تساؤله بقوله: «لقد انشطرت وحدة الإسلام ثنائية القطب على يد أناس قصروا الإسلام على جانبه الديني المجرد فأهدروا وحدته وهي خاصيته التي ينفرد بها دون سائر الأديان، لقد اختزلوا الإسلام إلى دين مجرد أو إلى صوفية فتدهورت أحوال المسلمين، وذلك لأن المسلمين عندما يضعف نشاطهم وعندما يهملون دورهم في هذا العالم ويتوقفون عن التفاعل معه تصبح السلطة في الدولة المسلمة عارية لا تخدم إلا نفسها، ويبدأ الدين الخامل يجر المجتمع نحو السلبية والتخلف، ويشكل الملوك والأمراء والعلماء الملحدون ورجال الكهنوت وفرق الدراويش والصوفية المغيبة، والشعراء السكارى، يشكلون جميعًا الوجه الخارجي للانشطار الداخلي الذي أصاب الإسلام»[11].
وعندما يجيب علي عزت على هذا السؤال يستحضر البعد الثقافي الثاوي في النظرية الحضارية للإسلام، وقدرته على الانهاض من جديد:” يشير التاريخ إلى حقيقة جلية هي أن الإسلام كان الفكرة الوحيدة التي استطاعت تحريك مخيلة الشعوب الإسلامية وإحداث المقدار الضروري من الانضباط والإلهام والقوة، ولم ينجح قط أي مثل أعلى آخر غير الإسلام في تحقيق أي أثر ذي بال في حقل الثقافة أو السياسة. وفي الواقع أن كل ما تم إنجازه من عمل جليل وجدير بالذكر في تاريخ الشعوب الإسلامية إنما كان تحت شعار الإسلام”[12].
ينطلق علي عزت بيجوفتش من فكرة مؤسِّسَة مفادها أن الإنسان متمايز عن بقية الكائنات، فهو ثنائي القطب ذو بعد ترابي أرضي، يحرك في الإنسان كوامن الغريزة والشهوة والملذات المادية من جوع وعطش وجب تملك وجنس، لأنه يمتلك في ذاته غريزة البقاء، وإذا اختزل الإنسان في بعده.
ولذلك عندما “تصدى الأستاذ علي عزت لمهمة بناء أول دولة ذات صبغة إسلامية في العمق الأوربي، أدرك أن المسألة متصلة بتعقيد عدد من التشريعات، وصياغة القوانين، بل المسألة في جوهرها إعادة قراءة للفكرة الإسلامية في كلياتها، ورؤيتها الكونية، فألف لذلك “الإسلام بين الشرق والغرق” بنية نسج دستور جديد لهذه الدولة الفتية (البوسنة والهرسك) التي لن تحافظ على مكنوناتها الذاتية ورؤيتها الكونية وتفاعلاتها الإقليمية مع “الصرب” و “الكروات”، وبين “الشرق” و “الغرب” بالقرارات السياسية، والمرسومات التنفيذية، و زيادة الأجور ، وخفض الضرائب، بل من خلال رؤية فكرية متماسكة متوازنة”[13].
إن بيجوفتش بهذا المعنى أراد أن يفتح باب الأمل للأمة الإسلامية من أجل التحرر والانعتاق، وأن إمكانية النهضة تستوجب شروطا موضوعية وعوامل ترتبط بالذات على وجه الإلزام والخصوص، ” إننا لنشاهد اليوم ظهور حركة وإرادة جديدة في بلاد العالم الإسلامي، لأن حالتنا هي حالة حركة وبحث، بغض النظر عن الحيرة المؤقتة والانحراف والهزائم والعوارض الناجمة عن طول عهد الأزمة والركود، لكن هذه المرحلة تشبه كل شيء ماعدا النوم والسكون. إن هذه الإرادة الجديدة التي سيوجهها الفكر الإسلامي، وستقوي عودها الخيرات الطبيعية التي يزخر بها العلم الإسلامي، قادرة أن تبهر العالم من جديد بالنهضة الإسلامية في الأيام القادمة. إن كل مسلم مطالب بأن يكون مشاركا فعالا في هذه النهضة![14].
ثانيا: الإنسان جوهر كل شيء
لا يختلف اثنان في أن الاجتهادات والتحليلات والقراءات التي قدمها الأستاذ علي عزت حول الإنسان تتسم بالتجديد والتميز والعمق، حيث اعتبر الإنسان مصدر المشكلات ومصدر الحلول، يقول علي عزت:” إن إدراكي بأن جميع المشكلات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي سيطرت على تفكيري في الشباب وجعلت مني مؤيدا محتملا لكل ثورة في العالم، يمكن حلها بتربية الإنسان فقط، وأن تربية الإنسان هي جوهر كل شي، أو تكاد تكون كذلك”[15].
إن هذه الحقيقة الماثلة أمامنا وهي أن الإنسان جوهر كل شيء جعلت على عزت يبحث في الآلية التي تجعل هذا الإنسان قادر على القيام بأدواره الحضارية الكبرى المنوطة بها، فلخصها في التعلم والتأمل وميز بينهما:” الحضارة تُعلِّم أما الثقافة فتُنور، تحتاج الأولى إلى تعلم، أما الثانية فتحتاج إلى تأمل. التأمل جهد جُواني للتعرف على الذات وعلى مكان الإنسان في العالم، هو نشاط جَدّ مختلف عن التعلم وعن التعليم وجمع المعلومات عن الحقائق وعلاقتها بعضها ببعض. يؤدي التأمل إلى الحكمة والكياسة والطمأنينة، إلى نوع من التطهير الجواني الذي سماه الإغريق «Catharsis». إنه تكريس النفس للأسرار والاستغراق في الذات للوصول إلى بعض الحقائق الدينية والأخلاقية والفنية[16]. أما التعلم، فيواجه الطبيعة لمعرفتها ولتغيير ظروف الوجود”[17].
ثالثا: بين الثقافة والحضارة
علي عزت من المفكرين الأوائل الذين حاولوا التأسيس لنظرية في الثقافة، متمايزة كل التمايز عن فكرة الحضارة أو إشكالات الحضارة، وقد خصص لذلك الفصل الثاني من كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب»، وله في ذلك إشارات ولطائف، وقد حاول الدكتور زكي الميلاد[18] تلمس خيوط هذه النظرية في مؤلفه الموسوم ب”المسألة الثقافية: من أجل بناء نظرية في الثقافة” خاصة في الفصل الثالث الذي عنونه ب” الثقافة والحضارة.. قراءة في نظرية علي عزت بيجوفيتش”.
بالرجوع إلى مكتوبات علي عزت يمكن تحديد الأفكار الأساسية التي شكلت منطلقات الرؤية المنهجية عند بيجوفيتش في موقفه من الثقافة والحضارة. وتتحدد هذه الأفكار في قضيتين أساسيين:
القضية الأولى: وتتصل بالموقف من الإنسان ورؤيته للإنسان.
أما القضية الثانية: وتتصل بالموقف من الأيديولوجيا المؤطرة للفكرة السياسية.
في القضية الأولى يؤكد بيجوفيتش أن مسألة أصل الإنسان هي ركن الزاوية لكل أفكار العالم، وأي مناقشة تدور حول كيف ينبغي أن يحيا الإنسان تأخذنا للوراء إلى حيث مسألة أصل الإنسان. وفي ذلك تتناقض الإجابات التي يقدمها كل من الدين والعلم. فالعلم كما يقول بيجوفيتش ينظر إلى أصل الإنسان نتيجةً لعملية طويلة من التطور، ابتداء من أدنى أشكال الحياة، حيث لا يوجد تمييز واضح بين الإنسان والحيوان. لهذا تتحدد النظرة العلمية إلى الكائن البشري بوصفه إنساناً، ببعض الحقائق المادية الخارجية كالمشي قائماً، وصناعة الأدوات، والتواصل بواسطة لغة منطوقة. والإنسان حسب هذه الرؤية هو ابن الطبيعة، ويبقى دائماً جزءاً منها.
وعلى الجانب الآخر يتحدث الدين والفن عن خلق الإنسان، والخلق ليس عملية وإنما هو فعل إلهي، ليس شيئاً مستمراً وإنما فعل مفاجئ، ذلك أن الفن في نظر بيجوفيتش “يمثل ظاهرة انبثقت من الرؤية التوحيدية للإنسان، وعكست النظام الكوني من دون أن تستفسر عنه، فهي انعكاسات لإلهامات ورؤية جوانية استثارتها المعاناة، ولا يمكن تفسيرها باستخدام المذهب المادي… ويعتقد علي عزت أن الثقافة ترتبط ارتباطا وثيقا بجوانب الإنسان الروحية، ذلك أن الثقافة تعنى بعلاقة الإنسان بتلك السماء التي هبط منها[19]، أي العلاقة بين السماء والإنسان ، وفي مقارنته بين الحضارة والثقافة، أفاد بيجوفتش بأن الثقافة هي نتاج البعد الوجداني في الإنسان، خلافا للحضارة التي عدَّها البعد المادي المؤثر في الإنسان، وما بين الأداة والعبادة يتضح الفرق بين الحضارة[20] والثقافة”[21].
ويرى علي عزت بيجوفيتش أن الإنسان الكامل[22] هو الذي يحيا حياته بشكل متوازن ومتكامل في جانبيها: الجواني والبراني، الروحاني والمادي، بوعي وإرادة كاملين، ولا يفرط في أي جانب منهما، ذلك أن التوحيد بين العالميْن ضرورة يقتْضيها الإسلام الحقيقي. وقد وجد بيجوفيتش أن الإسلام برؤيته التوحيدية يجمع في خطابه بين الإنسان الحي المتكامل كما صوره القرآن الكريم، وتمثل في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام الجامع بين مبادئ الدين ومسَالك التدين وقيَم العلم والتَّعلم.
هذه الفكرة والحقيقة بدأت تتشكل عند علي عزت بيجوفيتش منذ انتصار الفطرة على الأفكار الشيوعية التي هيمن على المجتمع اليوغوسلافي في سن المراهقة، ثم الدراسة سواء بالمستوى الثانوي، أو في جامعة زغرب وبلجراد” انتصرت الفطرة في النهاية فقد كنت أومن أن الرسالة الأساسية للدين هي المسؤولية.. وفي ذلك يتساوى الملوك والأباطرة مع عامة البشر، فإن لم يكونوا يخشون القانون والشرطة لأنهم يملكون القانون والشرطة في أيديهم، إلا أن مسؤوليتهم أعظم وأخطر أمام الله”[23].
وبعد تشكل هذه الفكرة ورُسوخها بدأ علي عزت مع مجموعة من الشباب، يسجل الكثير من الملاحظات على التدين العام الذي كان مهيمنا على المجتمع وقتئذ، وفي الوقت نفسه القيام بتقديم قراءات وانتقادات حيث ” لخص -هؤلاء الشباب ومنهم علي- عقيدتهم في تصور عن الإسلام رأى أنه يتلاءم مع أفكاره الخاصة ،حيث اتفق الجميع على أن الإسلام ينطوي على حقيقتين متكاملتين: عبادة ظاهرة برانية ومحتوى روحي دواني لا ينفصمان، ولكن المؤسسة الدينية الرسمية حصرت نفسها في الشكل البراني وأغفلت الجانب الروحي، مما أدى إلى خواء صرف الشباب عن هذه المؤسسة”[24]
هذا الاختلاف والتَّباين في موقف الدين والعلم، هو ما يرمز إليه بيجوفيتش بالثقافة والحضارة. فالحضارة عنده هي استمرار للحياة الحيوانية ذات البعد الواحد، والتبادل المادي بين الإنسان والطبيعة، وأنها تمثل تطور القِوى الكامنة التي وجدت في آبائنا الأوائل، الذين كانوا أقل درجة في مراحل التطور. وهذا هو موقف العلم الذي أشار إليه.
أما الثقافة فهي عنده على العكس من ذلك، فهي الشُّعور الأبدي بالاختيار، والتعبير عن حرية الإنسان. وهذا الرأي يطابق رؤيته عن الدين، التطابق الذي يقول عنه: أما الثقافة وفقاً لطبيعتها الدينية، فتميل إلى التقليل من احتياجات الإنسان، أو الحد من درجة إشباعها، وبهذه الطريقة توسع في آفاق الحرية الجوانية للإنسان[25].
أما عن التلازم بين العلم والدين، والتطابق بين الحضارة والثقافة، والترابط بين الجواني والبراني فيعتقد علي عزت بيجوفيتش أن الحضارة لا يمكن نقدها أو نقضها من داخلها، وإنما فقط من خارجها، يقصد بواسطة الاداة الثقافية، ويؤكد على عزت من زاوية البعد الحضاري لا يستطيع العلم أن يتراجع نحو الدين، أو تتراجع الحضارة إلى الأسرة التقليدية، فالدائرة تكاد تكون محكمة الإغلاق.
إن هذا المعطى الثقافي الذين بينه علي عزت بيجوفيتش يتأسس على الأصل الديني للأخلاق، فلا أخلاق بدون دين في نظر بيجوفيتش، ” لا يمكن بناء الأخلاق إلا على الدين، ومع ذلك فليس الدين والأخلاق شيئًا واحدًا. فالأخلاق كمبدأ، لا يمكن وجودها بغير دين، أما الأخلاق كممارسة أو حالة معينة من السلوك، فإنها لا تعتمد بطريقٍ مباشر على التديّن. والحُجّة التي تربط بينهما معًا هي العالم الآخر.. العالم الأسمى.. فلأنه عالم آخر هو عالم «ديني» ولأنه أسمى، فهو عالم «أخلاقي». وفي هذا يتجلى استناد كل من الدين والأخلاق أحدهما إلى الآخر، كما يتجلى استقلال كل منهما عن الآخر. في علاقة التساند هذه يوجد نوع من الثبات الجوّاني، وهو ثبات ليس آليًا رياضيًا أو منطقيًا، وإنما ثبات عملي، قد يتشعب هنا أو هناك، ولكن سرعان ما تستعيد علاقة التساند نفسها عاجلاً أو آجلاً. يؤدي الإلحاد إلى إنكار الأخلاق. ولكن أي بعث أخلاقي حقيقي يبدأ دائمًا بيقظة دينية، فالأخلاق إنما هي دين تحوَّل إلى قواعد للسلوك، يعني تحول إلى مواقف إنسانية تجاه الآخرين وفقًا لحقيقة الوجود الإلهي. فإذا كان لزامًا علينا أن نحقق واجباتنا الأخلاقية ـ بصرف النظر عما نواجه من مصائب أو مخاطر ـ (وهذا يعتبر سلوكًا أخلاقيًا متميزًا عن السلوك الذي تحفز إليه المصلحة)، فإن هذه الدعوة لا يمكن تبريرها إذا كان هذا العالم هو العالم الوحيد، وإذا كانت حياتنا فيه هي الحياة الوحيدة. وهنا تبرز نقطة الانطلاق لكل من الدين والأخلاق”[26].
من زاوية أخرى فإنا ما يرتبط بالأيديولوجيا فالعالم الحديث في نظر بيجوفيتش يتميز بصدام أيديولوجي، والكل متورط ومسؤول فيه هذا الصدام سواء أكانوا مساهمين أو ضحايا، ولا شك أن نظره هذا كان يستشرف مآلات التدافع الأيديولوجي والصراع الفكري الذي تجلى في الصدام الحضاري الذي نظَّر صامويل هنتنغتون في مقالته الشهيرة التي تحولت إلى أطروحة في العلاقات الدولية تحت مسمى “صدام الحضارات”.
في كل ذلك يحاول بيجوفيتش أن ينتصر لرؤية الإسلام وقيمه[27]. ولهذا يتساءل عن موقف الإسلام من هذا الصدام الذي يصفه بالهائل؟ وهل للإسلام دور في تشكيل هذا العالم المعاصر؟
ويعتقد بيجوفيتش “أن جميع الأيديولوجيات والفلسفات والتعاليم العقائدية من أقدم العصور إلى اليوم، هي في التحليل النهائي يمكن إرجاعها إلى واحدة من ثلاث نظرات عالمية أساسية تعبر عن ثلاث وجهات نظر متكاملة حول العالم. هي حسب تقسيمه: النظرة الدينية، والنظرة المادية، والنظرة الإسلامية”[28].
وتعكس هذه النظرات في اجتهاد علي عزت بيجوفيتش إمكانات مبدئية هي، الضمير والطبيعة والإنسان، ويقصد بهذه المسميات في صورتها الحقيقية، المسيحية والمادية والإسلام. فالنظرة الدينية المسيحية تأخذ نقطة بدايتها من وجود الروح، والنظرة المادية تأخذ نقطة بدايتها من وجود المادة، والنظرة الإسلامية تأخذ نقطة بدايتها من الوجود المتزامن للروح والمادة معاً. لهذا فإن الإسلام هو الصيغة الأسمى للإنسان، “إن الإسلام يجتهد في تنظيم هذا العالم عن طريق التنشئة والتعليم والقوانين التي شرعها، وهذا هو مجاله المحدود أما مجاله الرحيب فهو التسليم لله”[29].
وهذا الأمر أكده الدكتور محمد محفوظ من خلال قراءته النقدية لكتاب “الإسلام بين الشرق والغرب” حيث يقول:” والكتاب الذي بين أيدينا يحاول أن يجيب على سؤال مركزي وهو: هل للإسلام دور في تشكيل هذا العالم الحاضر يقول المؤلف هناك فقط ثلاث وجهات نظر متكاملة عن العالم، النظرة الدينية والنظرة المادية والنظرة الإسلامية، هذه الوجهات الثلاث من النظر تعكس ثلاث إمكانات مبدئية ، هي(الضمير، والطبيعة، والإنسان ) تتمثل كل منها على التوالي في المسيحية والمادية والإسلام”[30].
خلاصة وخاتمة:
إن المرحلة التي شهدها علي عزت ببيجوفيتش اتسمت عموما بالركود الفكري والانحطاط الاجتماعي والضعف والتخلف، بالموازاة مع ذلك كانت هنا العديد من الفرص التي لم تستثمرها الأمة الإسلامية من أجل الخروج من سُباتها.
وبالتالي فإن المدرسة الفِكرية والمنهجية الثقافية التي أسس لها علي عزت بيجوفيتش تعيننا في التَّموقع الحضاري، واكتشاف الممكنات الاستراتيجية للفكرة الإسلامية في إطار التفاعل بل والتدافع مع القوى العالمية، مع القدرة على المحافظة على الشخصية المعنوية للأمة الإسلامية، ومن خلالها لشعب الذي كابد في مسيرة اثبات الذات وتحقيق الاستقلال الحضاري والتحرر القومي والاجتماعي رغم الكيد والتكالب.
لقد قدم علي عزت بيجوفيتش قراءة جديدة للإسلام من خلال فهمه العميق لمعاني الآيات القرآنية واستيعابه للتجربة النبوية ، مبينًا أنّ الإسلام فلسفة الممكن في الحياة[31]، وهو الناظم لكل جوانب الحياة الإنسانية، ومن خلال نقده اللاذع للحضارة الغربية قد يتبادر إلى ذهن قارئ نصوصه أنّه ضد الحضارة نهائيًّا لكن الأمر غير ذلك، فالمفكر يريد أن يُؤسس لإنسان متوازن عقليًّا وروحيًّا إنسان مؤمن بالله ومؤمن بفلسفة الفعل والعمل، الفكر والأثر، إنسان ليس همه حفظ أسماء المساجد في تاريخ الإسلام وكفى، بل إنسانًا يساهم في ترميم مسجد بلدته إن كان بحاجة إلى ذلك أيضًا.
[1] – يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في توطئة لفهم كلام علي عزت:” الرئيس علي عزت بيجوفيتش (الرئيس السابق للبوسنة، وقائدها السياسي، وزعيمها الفكري والروحي) صاحب اجتهادات مهمة في تفسير ظاهرة الإنسان في كل تركيبيتها. وهذه التركيبية، المرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، هي نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفي. ولكن قبل أن نحاول أن نصنف إشراقاته وأفكاره المختلفة، وقبل أن نتكشف عالمه الفكري لا بد أن نشير إلى أنه ليس «مجتهدًا» وحسب، وإنما هو «مجاهد» أيضًا، فهو مفكر ورئيس دولة، يحلل الحضارة الغربية ويبيِّن النموذج المعرفي المادي العدمي الكامن في علومها وفي نموذجها المهيمن، ثم يتصدى لها ويقاوم محاولتها إبادة شعبه. ولكنه في ذات الوقت يستفيد من اجتهادات المفكرين الغربيين المدافعين عن الإنسان، ولعل إيمانه بالإنسان (الذي ينبع من إيمانه بالله وإدراكه لثنائية الطبيعة البشرية) هو الذي شد من أزره إلى أن كتب الله له ولشعبه النجاة، وهو الذي مكنه من أن يلعب هذا الدور المزدوج… دور المجاهد والمجتهد، ودور الفارس والراهب”. الإسلام بين الشرق والغرب، ص:32.
[2] – هذا الكتاب النفيس والسِّفر النادر في بابه، وجه فيه الخطاب إلى قادة الفكر ورموز الثقافة ومنظري الحضارة غربا وشرقا ، وكان فيه عالماً، وفيلسوفاً، وأديباً، وفناناً مسلماً استوعب كلّ ما أنجزته الحضارة الغربية، ثم ارتقى بتلك العلوم عندما ربطها بروح الوحي الذي جاء به الإسلام، يقول مترجم الكتاب:” كان كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» هو الوثيقة الوحيدة باللغة العربية من كتابات علي عزت التي وضعت أمام لجنة الترشيح لجائزة الملك فيصل العالمية، ولقد نال الرئيس علي عزت بيجوفيتش الجائزة كما نالها من قبله الشيخ محمد الغزالي، ومثل هذين الرجلين ترتفع بهما أي جائزة وتزداد شرفًا.
وقد اختيرت القاهرة في يناير 1995 لتوزيع جائزة الملك فيصل، فلما حضر علي عزت لاستلام الجائزة أقام له لفيف من المثقفين العرب ندوة جرت فيها أسئلة حول كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب».
[3] -وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي كان ينشرها في مجلة (تاكفين) باسم مستعار. وهذه المجلة كانت تصدرها جمعية العلماء في البوسنة، وكان واسعة الانتشار بين المسلمين في يوغوسلافيا، وقد جمعها ابنه الأستاذ بكر، وأصدرها في كتاب بعنوان (البيان الإسلامي) وهو شرح لأساسيات النظام الإسلامي، وقد أثار نشر هذا الكتاب ضجة كبيرة، واستاء منه كثير من الصرب والكروات، ووصفوه بالمنفستو الإسلامي الذي يدعو إلى الجهاد المقدس، لإقامة دولة إسلامية في قلب أوربا، وقدّموا الأستاذ علياً مع أحد عشر من زملائه المثقفين الإسلاميين إلى المحاكم، وحُكم عليهم بالسجن أربعة عشر عاماً سنة 1983م، بتهمة العمل ضدّ نظام الدولة وأمنها.
كانت غاية الأستاذ علي من تأليف هذا الكتاب أن يجمع شباب المسلمين في يوغسلافيا على مفاهيم إسلامية واضحة، عليمة وعملية، وأن تكون هذه المقالات بمثابة بوصلة للعمل الإسلامي الذي بدأت تتشكل نواته مع ارهاصات انهيار الاتحاد السوفياتي.
[4] – في الأصل هذا الكتاب مجموعة من المقالات في فكر النهضة ونهضة الفكر، حيث يقوم بتحليله الأوضاع الإنسانية بمنهجية علمية رصينة، تعطي شعوراً متعاظماً بجمال الإسلام وعالميته، والتي تٌعتبر العمود الفقري للصحوة الإسلامية في جمهورية البوسنة والهرسك، والتي تحمل في سطورها خلاصة فكر جيل من الرواد، بالإضافة إلى أنها ترسم المعالم الضرورية لنهضة الأمة الإسلامية والاستفاقة من سباتها الذي عمَّر طويلا.
[5] – كتاب ألفه في السجن، عندما اعتقله الشيوعيون عام 1949 بسبب نشاطه السياسي، ولانتمائه إلى جمعية الشبان المسلمين، وحكموا عليه بالسجن مدة خمس سنوات.
[6]– هذا الكتاب بمثابة سيرة ذاتية حاول علي عزت أن يؤرخ للأحداث من خلال ربطها بوقائعها وشخوصها حسب ترتيبها الزمني، يقول:” إنها شذرات لا تمثل حياتي كلها.. ذلك لأن أجزاء كاملة من حياتي إما نسيت تفاصيلها وإما أنها تخصني وحدي ولا تهم غير، وما بقي من حياتي إنما هو سرد زمني للأحداث كما وقعت في مجرى حياتي” ص11.
[7] – علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:12.
[8] – علي عزت بيجوفيتش، هروبي إلى الحرية أوراق السجن 1983-1988م، نقله إلى العربية محمد عبد الرؤوف، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة-مصر، الطبعة الأولى 2014م، ص: 24.
يبين علي عزت بكل أسف في تصديره للكتاب، أن الهروب لم يكن هروبا حقيقيا، ولكن كان يتمنى ذلك، وإنما الهروب الذي كان متاحا من سجن «فوتشا “الرهيب هو هروب الروح والفكر، وليس هروب الجسد، ص: 23 بتصرف.
[9] – علي عزت بيجوفيتش، هروبي إلى الحرية، ص:376.
[10] – في مفتتح كتابه «عوائق النهضة الإسلامية” اعتبر علي عزت بيجوفيتش هذا السؤال ليس من قبيل المشكلات المخترعة، وليس من نسيج الترف الفكري، ص:6.
[11] – علي عزت، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:25.
[12] – علي عزت، البيان الإسلامي، ص:7.
[13] – طه كوزي، أزمتنا الحضارية العقدة والمخرج، ص:221-222.
[14] – علي عزت بيجوفيتش، عوائق النهضة الإسلامية، ص:40.
[15] – علي عزت، عوائق النهضة الإسلامية، الجزء الثاني، ص:7.
[16]– هذه الحالة «اللاعلمية» للعقل أثناء عصر النهضة يمكن التماسها في انتشار الخرافات ـ ليس فقط بين عامة الناس ـ ولكن بين الخاصة من الفنانين ورجال الأدب… «علم التنجيم مثلاً، كان يقدره بصفة خاصة المفكرون الأحرار، لقد اكتسب التنجيم رواجًا لم يحظ به في العصور القديمة». نقلا عن المترجم.
انظر: Bertrand Russell: History of Western Philosophy (London: n.p., 1948). P. 523.j
[17] – علي عزت، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:96.
[18] – زكي الميلاد، المسألة الثقافية – من أجل بناء نظرية في الثقافة، الطبعة الأولى 2011م.
[19]– علي عزت، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:107.
[20] – إن نقد علي عزت بيجوفتش للحضارة لا يعني رفضها أو التخلص منها وإنما قام بذلك من باب الترشيد والتقصيد والأنْسَنة” هذا النقد للحضارة ليس دعوة لرفضها، فالحضارة لا يمكن رفضها حتى لو رغبنا في ذلك. إنما الشيء الوحيد الضروري والممكن هو أن نحطم الأسطورة التي تحيط بها. فإن تحطيم هذه الأسطورة سيؤدي إلى مزيد من أَنْسَنة هذا العالم، وهي مهمة تنتمي بطبيعتها إلى الثقافة”، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:116.
[21] حنان فيض الله الحسيني، أثر الرؤية التوحيدية في رسم ملامح الإنسان عند علي شريعتي وعلي عزت بيجوفيتش، مجلة إسلامية المعرفة، العدد 95، السنة الرابعة والعشرون، شتاء1440ه/2019م، ص:94.
[22] – نفسه، ص:94.
[23] – مذكرات علي عزت بيجوفيتش الرئيس السابق لجمهورية البوسنة والهرسك، ص:26.
[24] – مذكرات علي عزت بيجوفيتش الرئيس السابق لجمهورية البوسنة والهرسك، ص:29.
[25] – علي عزت، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:96.
[26] – علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:160.
[27] -يقول علي عزت بيجوفيتش في ختام كتابه الإسلام بين الشرق والغرب:” فلكي ندرك حقيقة وضعنا في هذا العالم يعني أن نستسلم لله، وأن نتنفس السلام، وألا يحملنا الوهم على أن نبدد جهودنا في الإحاطة بكل شيء والتغلب عليه. علينا أن نتقبل المكان والزمان اللذين أحاطا بميلادنا، فالزمان والمكان قدرُ الله وإرادته. إن التسليم لله هو الطريقة الإنسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لا حل لها ولا معنى.. إنه طريق للخروج بدون تمرد ولا قنوط ولا عدمية ولا انتحار. إنه شعور بطولي (لا شعور بطل)، بل شعور إنسان عادي قام بأداء واجبه وتقبل قَدَره.
إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه: من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني… من قوة النفس في مواجهة محن الزمان.. من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود… من حقيقة التسليم لله.. إنه استسلام لله.. والاسم إسلام!” ص:306.
[28] – زكي الميلاد، المسألة الثقافية – من أجل بناء نظرية في الثقافة، ص:124.
[29] – عزت علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ص:304.
[30] – محمد محفوظ، الإسلام، الغرب وحوار المستقبل، ص:177.
[31] – يقول علي عزت بيجوفيتش:” هناك تفكير وكتابات عن الإسلام تختلف كثيرا في مضمونها، ولكن شيئا واحدا محل إجماع الجميع، وهو شمولية الإسلام، أي هدف الإسلام الدائم ليكون فلسفة الإنسان الشخصية ومبدأ بناء المجتمع، أو بعيارة أخرى أن يكون دستور حياة شاملة. يتفق حول هذه النقطة المدافعون عنه المتحمسون والمحللون المتعنتون والنقاد اللاذعون على حد سواء، وبطبيعة الحال يشاركهم الرأي كاتب هذه السطور.” عوائق النهضة الإسلامية مقالات في فكر النهضة والحركة، الجزء الثاني، ص:55.