نقصد من وراء ترجمة مقال لوتولز وزميله هيبير توضيح الجهد المعرفيّ الذي قاما به لتكييف الإرث المعرفيّ لماكس فيبر في حقل العلاقات الدوليّة دون أن يتخلّى الأخير عن جوهره وما يميّزه عن بقيّة الحقول المعرفيّة. يعتبر فيبر، كما استهلّ ريتشارد نيد ليبو كتابه، “الأب الحقيقيّ لنظريّات العلاقات الدوليّة”()؛ فلا يزال تحليله للدولة من حيث ارتباطها الحميمُ بالعنف والهيمنة مركزيًا للواقعيين، ولا يزال حديثُه عن سعي الدول للمكانة والرِفعة العالميّة مُلهمًا للبنائيين، أما انشغاله العميق بالأخلاق وعلاقتها بالسياسة فكان ولا يزال نقطة انطلاقِ بُحوث الأخلاق في العلاقات الدوليّة. طبعًا على أهميّة هذا الادّعاء، إلا أنّه لا ينفي ارتكاز باحثي العلاقات الدوليّة على فهم مشوه للهدف الذي رامهُ التحقيق الفيبري، والذي استقوْه مباشرةً من الترجمات التي قدّمها رواد علم الاجتماع الأمريكي لأعمال فيبر المركزيّة. ولعلّها الإضافة المميزّة لمقالهما، بأن نبّها المشتغلين على التدخلات الدوليّة وبناء الدولة بأنّ تعريف فيبر للدولة وللشرعيّة الذي انطلقوا منه في بناء مقارباتهم وتحليلاتهم منقوصٌ ومَعيبْ، والأسوأ من ذلك أن انتقاله إلى جانب الممارسة، كما أوضحت حالات التدخل الدولي لإعادة بناء الدول والسلام في الأقاليم التي شهدت نزاعات عنيفة، كرّس هيمنةً من نوعٍ جديد بأن أجبرت شعوب هذه الأقاليم على اتباع نموذج الدولة الأوربيّة (الغربيّة) باعتبارها أسمى مراحل النُضج السياسيّ والتنظيمي الذي قد تصل إليه. وما ادّعاء فرنسيس فوكوياما بأنّ الديمقراطيّة الليبراليّة هي النموذج الأصلح عالميًا للحُكم ولبناء-الدولة إلا مثالٌ عن هذه الانطلاقة المشوّهة. خِلافًا لذلك، يدعونا الباحثان للتعمّق في الشطر الثاني من تعريف فيبر للدولة الذي ركّز فيه على الدور التأسيسي للأفعال الاجتماعيّة للأفراد. فالدولة ليست ظاهرة تتأسّس بعد النّجاح في احتكار العنف فحسب، ولكنّها ظاهرة تشكّلها العلاقات بين البشر أولاً وقبل كل شيء، وهنا يكمن معنى الشرعيّة بأنواعها والتي جعلت الأفراد يخضعون ويأتمرون بأوامرها. هذا التبصر الذي قدّمه الباحثان من شأنه أن يساعد المتدخلين والمانحين الدوليين على تصحيح معتقداتهم بشأن انهيار الدولة وبنائها وتعميرها؛ فسقوط الدولة لا يعني تفككها المؤسسيّ فقط ولكنّه انحلال لشرعيّة سلطتها السياسيّة، مثلما أن تعمير الدول ليس بتشييد مؤسسات وأجهزة على النمط الأوروبي ولكنّه بناءٌ لشرعيّة سلطة سياسيّة من الداخل.