بداية، أقول: ليس للعروي مثيل في عالم الفكر والفلسفة المعاصرين. إنه أكبر مفكر عرفه النصف الأخير من القرن العشرين، والعقدان الأولان من الألفية الثالثة. هذه حقيقة، ولكننا نحتقر أنفسنا، نعيش بين استلابين: استلاب لهابرماس وفوكو وتشومسكي من جهة، وآخر ل”عمائم” مشرقية تحسن الصراخ.
بقي الرجل غريبا بين قومه، يعرفونه بالاسم، ويجهلونه بالفكر. حتى أولئك الذي أرادوا أن يعطوا دروسا في فكره، علّموا الناس منه درسا واحدا فقط: عبارات إنشائية تخفي فكر العروي ولا تظهره.
مَن يؤيده لا يفهمه، فكيف كان التأييد؟! ومن يعارضه متخلف عنه، فما معنى المعارضة؟!
اقترب من استيعابه ياسين الحافظ (مفكر سوري) كثيرا، اهتم ببعض مباحثه دون أخرى (خاصة مبحث “التحديث”)؛ استرشد به عزيز العظة (مفكر سوري) فترة من الزمن، قبل أن يرتمي في أحضان “العيش في الشعور لا في التاريخ”؛ أما عبد الصمد بلكبير (مفكر مغربي) فقد كان الاختبار السياسي لفكر العروي، حركة جدلية دائمة في المجتمع، علاقة مستمرة بين إدارتي هذا الأخير والدولة، أمل لا ينقطع في نخب الإدارتين معا..
من قرأ إنتاجات المذكورين أعلاه، سيجد بعض ما أشرنا إليه. أما في هذا المقال، فحسبنا أن نرسم للقارئ الكريم خارطة طريق تسهل عليه قراءة فكر العروي، أو على الأقل الاطلاع على موقفه من القضايا التي يحتاج معرفتها.
– الإيديولوجيا العربية المعاصرة: الكتاب الأهم لعبد الله العروي، جامع فهمه للواقع العربي، ومختصِر فكرته حول “التغيير” و”مشروع التحديث العربي”.
لم يفهم الكتاب، وما يزال، فكتب العروي لإيضاح معانيه ودرء لبسه خمسة مفاهيم:
– مفهوم الحرية: فيعرف القارئ متى تكون طوبى؟ ومتى تكون دعوة؟ ومتى تكون نظرية؟.
– مفهوم الإيديولوجيا: فيعرف القارئ كيف كانت واقعا قبل أن تصبح مفهوما؟ وكيف تطورت كمفهوم بعد ذلك؟
– مفهوم الدولة: فيعرف القارئ ما به كانت نظرية “الدولة”، وكيف أنتج التاريخ مفهومها بوجهين “جهاز وإيديولوجيا”؟
– مفهوم التاريخ: فيعرف القارئ المعنى الحقيقي لصنعة مفترى عليها، صنعة المؤرخ. ويكتشف القارئ أن التاريخ أساس العلوم الإنسانية، ومختبر للعلوم البحتة.
– مفهوم العقل: فيكتشف القارئ حاجة العقل العربي إلى إكمال، حاجة اللامعقول إلى معقول، حاجة المحسوس والمتداول إلى ملاحظة.
لاستكمال “الإيديولوجيا المعاصرة”، وتشخيص أعطاب الفكر العربي، يحتاج القارئ إلى قراءة:
– العرب والفكر التاريخي.
– ثقافتنا في ضوء التاريخ.
– أزمة المثقفين العرب.
لمعرفة النظرية السياسية عند العروي، يجب قراءة:
– من ديوان السياسة، ومعه “مفهوم الدولة” المذكور آنفا.
موقف العروي من الدين، يجده القارئ في:
– السنة والإصلاح: حيث مناقشة الدين في بعديه “الأنطولوجي السيكولوجي” و”الاجتماعي التاريخي”، وحيث تجاوز العروي أبرز الأطروحات: التراثية القديمة والحداثية المعاصرة. دعوة مزدوجة: استعادة الصالح من التراث لتأويله، الاسترشاد في تأويله بالتاريخ.
– تقديمه لترجمته على كتاب “عقيدة قس الجبل” لجان جاك روسو، أسماها “دين الفطرة”. الدين الخاص بالفرد، يخدمه في ذاته، ويسمو به بعيدا عن “المصالح”.
– محاضرة منشورة بعنوان “عوائق التحديث”، يميز فيها العروي بين مجالين: مجال العقيدة ومجال المصالح. لا ينبغي أن يقف الأول في طريق الثاني، وإلا أصبح عائقا من عوائق التحديث.
مشروع العروي في “تاريخ المغرب” مهم، يتجاوز به بعض الأعمال التاريخية الاستشراقية، ويعرض فيه التاريخ بلغة المؤرخ الذي يشتغل على الشواهد. وهو (مشروع تاريخ المغرب) كتابان:
– مجمل تاريخ المغرب، بثلاثة أجزاء.
– تاريخ المغرب محاولة في التركيب.
ما الوطنية المغربية؟ الإجابة في كتابين:
– الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية/ 1830 – 1912.
– استبانة.
أدب العروي:
– نظرته إلى الأدب والفن، في حوار مطول بعنوان “من التاريخ إلى الحب”.
– موقفه من الرواية العربية في “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”.
– رواياته: اليتيم، غيلة، الغربة، الآفة، الفريق..
سيرة العروي، في:
– رواية “أوراق” في شخصية إدريس.
“شهادته على العصر”:
– خواطر الصباح: تتعرف فيها على شخص عبد الله العروي، وحياته الخاصة. ومع كل ذلك، تجد متابعة تفصيلية للأحداث السياسية الدولية والوطنية، كما تجد معطيات مهمة مصحوبة بتعليقات بخصوص ملف الصحراء المغربية وكافة المتدخلين فيه، وأيضا تجد مواقف العروي من شخصيات كعلال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وطه عبد الرحمان ومحمد عابد الجابري… الخ.
للعروي كتابان، لهما راهنية، في علاقة المغرب بإفريقيا والجزائر:
– محاضرة منشورة بعنوان “المغرب وإفريقيا”.
– كتاب بالفرنسية عنوانه “الجزائر والصحراء المغربية”.
له كتب آخرى بالفرنسية:
– الوطنية المغربية.
– المغرب والحسن الثاني.
– المغرب والحسن الثاني.
..
ترجمات العروي قاصدة:
– عقيدة قس الجبل/ دين الفطرة، لجان جاك روسو، سبق ذكرها.
– تأملات في تاريخ الرومان: أسباب النهوض والانحطاط، لمونتيسكيو، عن نشأة الرومان وانحطاطها، ارتأى العروي أن يترجمه حتى تكتمل النسخة العربية من “روح القوانين” بتاريخ وواقع يسبقها.
– مسرحية “شيخ الجماعة”، لمؤلفها هنري دي مونترلان، يتعرف من خلالها القارئ على سجال كلامي أنتجه “إقحام الدين في السياسة”.
اكتفينا هنا بما عثرنا عليه، واطلعنا على أغلبه، من كتب عبد الله العروي. وبقي أن نشير أن قراءة مشروع العروي تتطلب:
– وعي استطاع التمييز بين غيب وشهادة.
– وعي تشبع بالجدل.
– وعي أدرك مفهوم المصلحة.
– وعي متقدم بالسيكولوجيا.
– وعي معتبر بالعلوم الإسلامية.
– معرفة ولو قليلة بالفن والأدب.
… الخ.
هذا وغيره مطلوب، وإلا سيقع للمرء ما وقع لكثيرين: الخروج من “العروي” كما كان الدخول إليه.