تعد البحوث الجامعية من أهم الوحدات الدراسية في النظام الجامعي الجديد، التي يقوم فيها الطالب بإنجاز بحث علمي في مجال تخصصه. [1]
ونقصد بها في هذا الصدد، بحوث التخرج في سلكي الإجازة والماستر، في تخصصات الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص الدراسات الإسلامية، على أن ما سيعرض يمكن أن يكون مشتركا مع تخصصات أدبية أخرى.
مما لا شك فيه أن البحوث موضوع حديثنا، لها ضوابط وقواعد تسير عليها، إذ لا يمكن أن يسمى البحث بحثا علميا جامعيا إلا إذا توفرت فيه تلك القواعد، فيعتبر ناقصا ويمكن في بعض الأحيان رفضه، خاصة عندما لا يتوفر فيه الحد الأدنى ويطلب من الطالب تدراك الأمر قبل وقت المناقشة.
وقد كتب كثير من العلماء والباحثين الأكاديميين كتبا تعنى بهذا الشأن، واذكر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب “أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، لمؤلفه الدكتور فريد الانصاري [2]، فقد رسم من خلال هذا الكتاب ” قواعد” البحث العلمي في العلوم الشرعية، والطالب الباحث لابد له وهو يريد إنجاز بحثه من الاطلاع على أحد تلك الكتب المتخصصة في هذا الشأن.
وجدير بالذكر أن بحوث الإجازة والماستر كانت ولا زالت شرطا من شروط الولوج إلى سلك الماستر والدكتوراه. [3] إلى جانب شروط أخرى معلومة لدى المهتمين من الطلبة والباحثين ….
واستنادا إلى ما سبق، من كون البحوث شرط الولوج الى المباريات، يكون من المفيد جدا استحضار مجموعة من القواعد العامة لتجويد البحوث والارتقاء بها نحو الأحسن، ومن ذلك في نظري ما يلي:
- ـبعد جمع المادة العلمية وترتيبها وصياغتها، يبقى الأهم من ذلك كله قدرة الباحث على التحليل، التشبيك والتفكيك على حد تعبير الدكتور أحمد الريسوني، [4]المناقشة، إبداء الرأي والتعليق على ما تم ذكره من المعارف في متن البحث. فالبحث الجيد من بين محدداته قدرة الباحث على الحضور القوي في البحث من خلال المهارات السالفة الذكر.
- ـالحرص الشديد على السلامة اللغوية أسلوبا ونحوا وصرفا… وهنا يمكن الاستعانة بأهل التخصص المتقنين لمجال اللغة وعلومها، في عملية التدقيق اللغوي للبحث الجامعي. [5]فكلما كان البحث أدق من حيث اللغة كلما حصل على درجة مستحسنة من التقدير الجزائي. أضف إلى ذلك أنه سيعرض على لجان علمية متخصصة في مباراة الولوج الى بعض الأسلاك الجامعية وتقدر له نقطة عددية معينة وعليه فمتى كان البحث خاليا من العيوب اللغوية كلما كان أقرب الى النجاح في المباراة.
من الظواهر السلبية التي صارت شبه منتشرة في البحث العلمي، بدون تعميم طبعا، ظاهرتي السرقة العلمية بمختلف تجلياته والاعتماد الكامل على الوسائل التكنولوجيا الحديثة حيث المعلومات والبحوث الجاهزة، فبعض النظر عن مدى حلية أو حرمة هذا الامر، إلا أننا يمكننا القول أنهما ممارستان مذمومتان لكونهما ترسخان سلوك غير مقبول في البحث العلمي وهو الاتكالية والقبول بالجاهز وترك الاعتماد على النفس، على الرغم من الإيجابيات العديدة التي للوسائل الحديثة والتي لا يمكن لعاقل انكارها من ذلك تقريب وتيسير الوصول إلى المعلومة .
وإذا نظرنا إلى الشريعة نفسها وجدناها تحث على الاجتهاد في طلب العلم ومنه الاجتهاد في البحث عن المعلومات وامتلاك مهاراة البحث، لأن البحوث الجامعية في أصلها منطلق لتكوين باحث في المستقبل يعول عليه في إنتاج المعرفة العلمية الرصينة. فقد كان الرسول عليه السلام يحث على الأكل من كد اليد، فعن المقداد بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده …” رواه البخاري [6]فكذلك البحث العلمي يحرص فيه على كد العقل والمجهود الشخصي، فإذا لم يألف الباحث التنقيب والبحث بذاته عن المعلومة لا شك أنه متوفق ولو بعد حين عن مسار البحث الجاد لما ألفه من الركون والدعة. ودونك الواقع والأشخاص فكم من باحث تخرج من الجامعة ولم يعد يربطه بالبحث العلمي إلا الاسم. بطبيعة الحال تتعدد العوامل التي تقف خلف هذه النتيجة لكن أرى أن واحدة منها هو ما نحن بصدد الحديث عنه الآن من الظواهر السلبية في مسيرة البحث العلمي. ومن هنا يمكن استخلاص فكرة أساسية وهي أنه لأن يكتب الباحث ورقات قليلة في بحثه يحضر فيه بقوة من خلال التحليل والمقارنة والمناقشة وغيرها من المهارة وبذلك يكون اكتسب أوليات الصناعة البحثية خير له من أن يرتب بحثا من أوراق كثيرة لا حضور له فيه إلا ناذرا.
إن الملاحظات السالفة الذكر، والتي أرى أهميتها في تجويد البحوث، هي خلاصة سماع في لقاءات وأنشطة علمية ومناقشات بحثية في مناسبات مختلفة، [7]ولا ريب أنها مبثوثة في كتب أهل الصنعة. وإنما غرضنا هنا تقديم وجهة نظر.
الهوامش
[1] ـ يرجع إلى الملفات الوصفية للشعب والمسالك الجامعية التي حددها النظام البيداغوجي الجامعي.
[2] ـ أبجديات البحث في العلوم الشرعية، (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق. أ. د. فريد الانصاري، ط 1، 1423ه ـ 2002م. دار المنصورة للنشر والتوزيع ـ مصر ـ المنصورة.
[3] ـ انظر مختلف الإعلانات الصادرة عن المؤسسات الجامعية في هذا الباب.
[4] ـ انظر محاضرة بعنوان ” استعمال الأدلة الشرعية بين منهج التشبيك ومنهج التفكيك ” القاها الدكتور أحمد الريسوني، نظمت المحاضرة من طرف مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بالجزائر، المحاضرة نظمت في يناير 2022 عن بعد.
[5] ـ تجدر الإشارة أن هناك خبرات متخصصة في مجال التدقيق اللغوي معتمدة من طرف مراكز أبحاث أو مؤسسات أخرى، وكل مؤهل علمي في مجال اللغة يمكن الاعتماد عليه في هذه المسالة.
[6] ـ رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، الامام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ص 147، المكتبة التوقيفية مصر.
[7] ـ من المناسبات العلمية المفيدة في هذا الباب حضور جلسات مناقشة بحوث الدكتوراه والماستر حيث تكون مفتوحة في وجه عموم الطلاب والباحثين، وفيها معلومات ثرة نافعة في مجال تطوير انجاز البحوث.