يضطلع الإعلام بدور هام في نقل حلقات النقاش والتداول الإخباري من الفضاء العام و من مصادر متعددة إلى المؤسسات الإعلامية حيث تتم صناعة الخبر وإعادة توجيهيه للجمهور، و لقد وسع تنوع وسائل الإعلام والتواصل مساحة مصادر المعلومة وكيفية توجيهها للمستقبل، يعزى ذلك للتطور التكنولوجي الذي ساهم نوعا ما في تراجع دور الإعلام التقليدي (الإذاعة والتلفزة)، لصالح إعلام رقمي يتميز بمساحة تعبيرية واسعة وحرية شبه مطلقة في التعاطي مع الأخبار والمعلومات، يبقى هذا الإعلام الرقمي والجديد في بعض البلدان العربية ضمن القطاعات الإعلامية غير المقننة، أو الخاضعة للمنع و الرقابة.
عرفت الموجة الاحتجاجية التي شهدها ولا زال يشهدها العالم العربي مساهمة محورية للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في توجيه بوصلة المحتجين، وتأجيج شرارة الاحتجاج وربط جسور التواصل بين الشعوب، وذلك بتوحيد لغة احتجاجية تعبر عن تطلعاتهم ورغبتهم في إنهاء تغول الأنظمة الاستبدادية، وقد حظي هذا الدور الإعلامي باهتمام كبير لدى المثقف الغربي خاصة المختصين في العالم العربي.
صلود بورخباد فلوريس واحدة من المستعربات و الباحثات الاسبانيات التي كرست جزءا من مسارها الاكاديمي والعلمي في الاهتمام بتاريخ العالم العربي المعاصر، والتنقيب في الدراسات العربية و الفكر الإسلامي، تخرجت من قسم الدكتوراه في كل من جامعات إشبيلية، مكاو وهارفرد، كما قامت بإقامات أكاديمية في العديد من الجامعات داخل و خارج إسبانيا، تترأس المجموعة البحثية إشبيلية المنشغلة بالتواصل في العالم العربي من خلال الكاريكاتير و الخطاب الإعلامي، كما لها مجموعة من الدراسات و الأبحاث مثل كتابي <العروبة و الكاريكاتير> و< الكاريكاتير العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي : أداة تواصل لتوحيد المجتمع> .
سنحاول معها في هذا الحوار رصد نظرة المثقف الغربي للإعلام العربي، تقييمها لما سمي بالربيع العربي، فكرة التقارب بين الشرق والغرب، وتاريخ إسبانيا في امتداده الأندلسي.
- نرحب بكم الدكتورة صلود في مركز معارف للدراسات والأبحاث بحيث سنقوم بنشر هذا الحوار بموقع المركز، حديثينا عنكم وعن علاقتكم باللغة العربية والكاريكاتير؟
- لقد انشغلت بدراسة اللغة العربية أكثر من عشر سنوات أنهيتها بأطروحة دكتوراه في موضوع الكاريكاتير في خطاب الثورة السورية بناء على أعمال علي فرزات، تحت إشراف المستعرب وأستاذ الدراسات العربية والفكر الإسلامي بجامعة إشبيلية رافاييل بلنسية.
- كيف انبثقت فكرة الاهتمام بالكاريكاتير في الخطاب الإعلامي العربي؟
- بالنسبة لي الكاريكاتير في العالم العربي ينطق بلسان المجتمع ويعبر عن قضايا تهمه، زيادة أنه يعالج إشكالات اجتماعية وسياسية بأساليب فنية تصويرية إبداعية.
- ما هو الدور الذي يضطلع به الكاريكاتير في الخطاب الإعلامي العربي؟
- يتميز بدور مهم جدا في تصوير إشكالات اجتماعية وسياسية، فهو يعتمد على الصورة الفنية لإيصال محتواه الفني ذو الأبعاد الخطابية والدلالية.
- ماهي مكانة الكاريكاتير في الخطابات المستوحاة من الثورة السورية؟
بالنسبة لسوريا تختلف فيها مكانة الكاريكاتير عن باقي الدول العربية الأخرى، فهو يعود من حيث تأثيره إلى ما قبل الحراك الثوري، فعلي فرزات يبدع بمستويات تعبيرية وفنية كان لها الأثر في تأطير نمط تفكيري احتجاجي، فهو يخاطب فئات اجتماعية يميزها وعي سياسي إدراكي بواقعها ومحيطها السياسي والاجتماعي.
- بالنسبة لكم كمتخصصة في العالم العربي، ما تقييمكم ) للربيع العربي (؟
- تميز الربيع العربي في بداياته بنوع من الحماسة مع الرغبة في تغيير الأنظمة السياسية، لكن هذا الأمر تراجع في السنوات الأخيرة خصوصا بعد سنة 2015.
- يرجع بعض الباحثين وفي الإعلام أيضا تعثر التجربة الانتقالية في بعض دول الربيع العربي للثورات المضادة المدعومة إقليميا.
- نعم، صحيح.
- في نفس السياق أعطيكم مثال بواقعة أتوخه سنة 1977 التي قتل على إثرها خمسة محامين من طرف متطرفي حزب فرانكو، بهدف عرقلة عملية الانتقال الديمقراطي.
- نعم، صحيح.
- ما طبيعة اهتمام المثقف الغربي بالعالم العربي؟
- يجب أن نميز هنا بين اهتمام المجتمع الغربي وانشغالات المثقف بالعالم العربي كظاهرة محط دراسة وتحليل، وذلك انطلاقا من قسمين:
فئة أولى من المجتمع الغربي تتمثل في شقه المنغلق على مجاله الداخلي، وما يشهده من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية دون دراية بالعالم بشكل عام والعالم العربي على وجه الخصوص، هنا يساهم الإعلام مساهمة مقصودة في توجيهه وتغيير زاوية نظرته للواقع.
أما الفئة الثانية فلديها نظرة سلبية إلى الانسان العربي والمسلم خصوصا، فهو بالنسبة لهم مجرما وعنيفا وإرهابيا، وهذا قد يرجع لعدة أسباب نذكر منها سببين:
1 السبب الأول يتعلق بالصورة السيئة التي ترسمها بعض المؤسسات الإعلامية كشارلي ايبدو، عبر المقالات والرسومات الكاريكاتيرية، عن الانسان العربي المسلم، ذلك يشوه صورته من جهة ويزيد من عدائية وكراهية الإنسان الغربي له.
2 السبب الثاني يتحمل فيه المهاجر العربي المسلم جزءا من المسؤولية لما يتعرض له في بعض البلدان الاوروبية، من خلال عدم قدرته أحيانا على الاندماج الإيجابي في المنظومة الثقافية والاجتماعية والانخراط الفعلي في المجتمع، هناك أيضا ظاهرة الانحراف في سلوك الشباب من أبناء المهاجرين.
- لكن هنا كما جاء في جوابكم، كيف ينظر المثقف الغربي عموما والإسباني خصوصا للعرب والعالم العربي؟
- بالنسبة للمثقفين في الغرب منهم من يساند فكرة العداء للعرب والمسلمين، غالبا المنتمين منهم للتيارات المحافظة المُؤَسِسة لفكرة الغزو الثقافي الذي يهدد الغرب بسبب المهاجرين المسلمين، وهناك من يقبل وجود المسلمين والمهاجرين عموما مؤمنا بفكرة التعددية الثقافية والتعايش المشترك الذي أُسست عليه الديمقراطية في الغرب.
- أما في إسبانيا فهناك حركة علمية تنشط في الجامعات والمؤسسات البحثية، بخصوص النبش في الذاكرة التاريخية لإسبانيا المتميزة بالوجود الإسلامي بالأندلس ومساهمته في بناء حضارة الثقافات الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية) والتعايش الديني والإنساني، ومهد ازدهار العلوم وانتشارها.
- في هذا الإطار ألا تعتقدين بأن الدولة الاسبانية تحاول إخفاء جزء من تاريخها الأندلسي وتحريف بعض الحقائق المتعلقة بالمعالم الإسلامية؟
لا يمكن إخفاء هذا الجزء من التاريخ خاصة الجانب العمراني منه، فإشبيلية لا يمكن فصلها عمرانيا عن مراكش، وغرناطة عن الرباط وتطوان، دون أن ننسى أسماء بعض المدن والقرى الإسبانية خاصة في الجنوب، التي حافظت على شكلها الأندلسي الإسلامي وعن ثقافة سكانها وتقاليدهم، والأسماء العائلية العربية التي احتفظت بها الأسر الموريسكية.