في سنة 1975 أصدر الأستاذ عبد الله العروي كتابه حول تاريخ المغرب باللغة الفرنسية بعنوان ” Histoire du Maghreb un essai de synthèse”، وترجمه سنة 1977 إلى اللغة العربية الأستاذ ذوقان قرقوط تحت عنوان “تاريخ المغرب محاولة في التركيب”، ترجمة رديئة على حد قول الأستاذ عبد الله العروي نفسه في مقدمته للكتاب الذي أصدره تحت عنوان “مجمل تاريخ المغرب” في طبعته الاولى سنة 1984 والخامسة 1996، وهذا الكتاب لا يمكن اعتباره ترجمة لكتابه ” Histoire du Maghreb un essai de synthèse”، مادام الاستاذ العروي نفسه لم يعتبره ترجمة، وبذلك أصدر الاستاذ عبد الله العروي أو عمل تاريخي تركيبي مغربي حول تاريخ المغرب في ثلاثة أجزاء بعنوان” مجمل تاريخ المغرب”.
المهمّ هو أن الاستاذ العروي قد دعى أو بالاحرى تمنى لو تأسّس في المغرب معهد خاص ومهتم بتاريخ المغرب كي يعيد كتابة هذا التاريخ قائلا: ‘لو كان عندنا معهد يجتمع فيه باحثون من شتى التخصصات، يعرفون المحيط الطبيعي والوثائق المحلية معرفة دقيقة، ويتحلّون بالذهنية النقدية الصارمة وبالحماس الذي يُميّز دعاة التاريخ الشامل- أعني أمثال الأستاذ فرنان بروديل في فرنسا- لكان من مسؤولية ذلك المعهد أن يقدم للمغاربة مؤلّفا شاملا يلخّص نتائج ما أنجز من بحوث وكشوف، ولَحَكَم مقدّما بالعُقم على كل عمل فردي. لكنّ المعهد المذكور غير موجود. يحقّ إذن لأي باحث، إذا وعى أخطار العمل الذي يُقدِم عليه، أن يستتنطق الماضي ليستجلي بعض ما يخبّئه لنا المستقبل”( انظر مجمل تاريخ المغرب ج1-ص: 30).
ولم يتأسّس هذا المعهد الذي كان أمنية العروي سنة 1975 إلا سنة 2006 ، أي بعد أزيد من 30 سنة بعد صدور كتاب العروي بالفرنسية سنة 1975، وبعد 22 سنة من صدور الطبعة الأولى من الجزء الاول للكتاب باللغة العربية سنة 1984، والمعهد هو “المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب” الذي تأسس سنة 2001، تحت إشراف وزارة الأوقاف الشؤون الاسلامية، أو للتدقيق تحت إشراف الاستاذ أحمد توفيق، ويديره زميله في المهنة وفي الزّاوية البوتشيشة المؤرخ الاستاذ محمد القبلي، المتخصص في تاريخ الوسيط عموما وتاريخ التصوّف خاصة، وحاليا يديره الاستاذ محمد كنبيب المؤرّخ المتخصص في تاريخ اليهود واليهودية.
وفعلا أصدر المعهد أول وأهم عمل بحثي تاريخي له تحت عنوان “تاريخ المغرب: تحيين وتركيب” سنة 2011، في مجلّد ضخم من حوالي 830 صفحة، وهو عمل تركيبي لتاريخ المغرب، مع كتاب ملخّص مرافق له عبارة عن سرد كرونولوجي لكل أحداث تاريخ المغرب ووقائعه، هذا العمل شارك فيه حوالي 60 باحث من تخصصات مختلفة بين التاريخ والسوسيولوجيا والاركيولوجيا والانثروبولوجيا والجغرافيا وعلم السياسة، وان كانت الاغلبية الساحقة منهم مؤرخين، واستغرق العمل فيه حوالي 5سنوات.
والغريب هو في مقدمة هذا العمل العلمي المهم، الذي أصدره المعهد، لم تتم الإشارة إلى تلك الأمنية التي عبّر عنها الاستاذ عبد الله العروي سنة 1975، كما لم تتم الإشارة إليه نهائيا في الكتاب، باعتباره أول مؤرخ مغربي أنجز أول عمل تاريخي تركيبي في ”مجمل تاريخ المغرب”، بعد المؤرخين الاستعمارين أمثال Henri Terrasse هنري طيراس في كتاب “تاريخ المغرب: من الجذور إلى الحماية الفرنسية ( Histoire du Maroc des origines à l’établissement du protectorat français) في جزئين، أو شارل أندري جوليان( Charles André Julien )في كتاب ” Histoire de l’Afrique du Nord” في ثلاثة أجزاء.
وبالمقابل تمت الإشارة في تقديم الكتاب إلى مُؤلَّف أخر باعتباره عملا تاريخيا تركيبيا هو “Histoire du Maroc” لمجموعة من المؤلّفين( جون برينيون -كي مارتيني -برنار روزنبيرجي -ميشال طيراس -ابراهيم بوطالب -عبد العزيز أمين)، الذي صُدر سنة 1967، حيث تمت الإشارة إلى أن هذا “المشروع الذي بين أيدينا قد أصبح يكتسي طابع الاستعجال في مطلع هذا القرن، خصوصا و أن آخر عمل يمكن تشبيهه به- ولو على مستوى الانجاز الجماعي- يعود زمنيا إلى يربو على الأربعبن سنة” في إشارة هنا إلى كتاب”Histoire du Maroc”، الذي لم يُترجَم الى العربية إلّا في سنة 2018 من طرف محمد الغرايب وعبد العزيز بل الفايدة ومحمد العرجوني.
الخلاصة لم تتم الإشارة إلى الاستاذ عبد الله العروي لا من حيث ما عبّر عنه سنة من أمنية تأسيس معهد للبحث التاريخي، كما لم تتم الاشارة إليه كمرجع بالاحالة عليه عبر كلّ صفحات الكتاب باستثناء إحالتين في الفصل الثامن، وإحالة يتيمة في الفصل العاشر.