تقديم
لا يحمل العنوان أي انحياز أو أي حكم قيمة، لكونه مجرد توصيف لا يحابي العواطف والمشاعر. ويمكن الاستدلال عليه بمعادلة بسيطة وهي كالتالي: توجد في المغرب 17 جريدة ورقية يومية[1]، تبيع مجتمعة 30 ألف نسخة يوميا[2]، في وقت يبلغ فيه عدد القراء المفترضين 20 مليون مغربي، ويبلغ متوسط مبيعات كل جريدة 1757.70 نسخة، ورياضيا يمكن التعبير عنه على الشكل الآتي: 30.000 ٪ 17 = 1757.70 نسخة.
وتأسيسا على ما سبق؛ فإن منطق الدعم العمومي الذي توفره الدولة للمقاولة الصحفية من ميزانيتها رهين بتحقيق المردودية وفق مبادئ الشفافية وتجسيد النفع العام، فإذا انتفت أسباب وجوده فيجب تحويله إلى قطاعات تحقق النفع للمواطنين، أو على الأقل مراجعة طرق منحه لتحقيق مزيد من النجاعة، باعتبار أن المطلوب من الصحافة والإعلام هو توفير المعلومة والارتقاء إلى مصاف السلطة الرابعة.
1- وضعية مأزومة
تبلغ عدد الجرائد الورقية اليومية الصادرة بالمغرب 17 جريدة[3]، فمن حيث التقسيم اللغوي، توجد 11 جريدة باللغة العربية، و6 جرائد باللغة الفرنسية، ومن حيث التصنيف الإيديولوجي فهناك 8 جرائد حزبية، و7 جرائد خاصة، و2 جريدتين لوكالة المغرب العربي للأنباء التابعة للدولة.
وتخصص الدولة جزءا من الميزانية لدعم قطاع الصحافة، بهدف ضمان الحق في الحصول على المعلومات، وضمان استمرار المقاولة الصحفية، بحيث أصبح الدعم موردا من الموارد الأساسي للنموذج الاقتصادي للمقاولة صحافية.
ويُقدر الدعم المالي الذي خصصته الدولة للصحافة برسم السنة المالية 2022 بحوالي 65.6 مليون درهم[4]، ومنحت الدولة خلال الفترة الممتدة ما بين يوليوز 2020 ويونيو 2022 دعما استثنائيا بمبلغ إجمالي قدره 435 مليون درهم للصحافة[5].
وخلافا للدعم المالي المتزايد بشكل مطرد[6]، يشهد سوق مبيعات الصحف تناقصا كبيرا إذا تبيع 17 جريدة ورقية بشكل يومي 30.000 نسخة[7]، وقد كان البعض يتوارى خلف أخر رقم صادر عن مكتب التحقق من انتشار الصحف المغربية “OJD Maroc”[8] الذي اختفى واختفت معطياته من الشبكة العنكبوتية.
2-معادلة واضحة
وتأسيسا على ما سبق، يمكن صياغة معادلة بسيطة تكشف عن الوضعية المأزومة لمبيعات لصحافة الورقية اليومية على الشكل التالي:
30.000 ٪ 17 = 1757.70 نسخة.
لكن هذا التقسيم يظل مجرد تقسيم رياضي إجرائي يمنحنا متوسط العدد المفترض لكل جريدة، أما واقعيا فنجد بونا كبيرا، إذ تبيع جريدة معينة 2300 نسخة بشكل يومي، بينما تبيع جريدة أخرى 70 نسخة، وثالثة 1650 نسخة، ورابعة 70 نسخة فقط..
غير أن متوسط عدد المبيعات لكل جريدة يبقى غير دقيق في ظل غياب إحصائيات مكتب التحقق من انتشار الصحف المغربية الذي اختفى موقعه الرسمي وكل الإحصائيات السابقة، وقيام بعض الأحزاب السياسية بوضع مجموعة من النسخ تحت تصرف أعضائها.
ليس مكتب التحقق من انتشار الصحف المغربية وحده من اختفى، بل هناك التقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة الذي كان يصدر عن وزارة الاتصال بحيث صدر آخر عدد منه في سنة 2016، لتختفي بذلك الأرقام المتعلقة بحجم الإعلانات الممنوحة للجرائد، وتوزيع الدعم المالي وغير ذلك من المعطيات التي تتعلق بالقطاع.
ويبدو أن الخلاصة العامة التي يمكن أن يستنتجها كل متتبع للقطاع أن الدعم العمومي المقدم من الدولة إلى المؤسسات الصحافية، في تزايد غير متوازن لضعف المردودية وعدم الانضباط لقيم الحكامة والشفافية.
3-تقييم معياري
وقد كان المجلس الأعلى للحسابات سباقا إلى طرح مجموعة من النواقص التي تعتري القطاع في تقرير حول “تقييم دعم الصحافة المكتوبة”، ومنها غياب دراسة حول قطاع الصحافة المكتوبة، وغياب اتفاقيات فردية مع المقاولات المستفيدة من الدعم العمومي، وعدم مصداقية معيار حجم السحب..
وقد لاحظ المجلس الأعلى للحسابات أن “المبيعات لا تتجاوز، في بعض الحالات، معدل 48 % و35 % و29 % من مجموع النسخ المسحوبة خلال المرحلة الممتدة من سنة 2010 إلى سنة 2015، غير أنه بسبب اعتماد معيار حجم السحب لمنح الدعم للمقاولات الصحفية، فإن العناوين الصحفية التي تسحب عددا أكبر من النسخ تستفيد من حصص مهمة من الدعم، بغض النظر عن عدد النسخ المبيعة”[9].
من ناحية أخرى، سجل تقرير المجلس أن قطاع الصحافة المكتوبة “يواجه تحديات مرتبطة، أساسا، من جهة، بانخفاض حجم النشر الذي انتقل من أكثر من 99 مليون نسخة سنة 2009 إلى 89 مليون نسخة سنة 2014، أي بنسبة انخفاض تجاوزت 10%”.
ومن جهة أخرى، لاحظ أن القراء توجهوا إلى الوسائط الإلكترونية مستفيدين من نمو التكنولوجيات الحديثة للإعلام. زيادة على أن القطاع يعاني من تدني حصته من مداخيل الإعلانات لفائدة وسائط إعلامية أخرى، مثل الإذاعة والملصقات.
ختاما، فإن الدعم المالي العمومي للمقاولات الصحفية يجب أن تحكمه قواعد المنافسة الحرة، والانضباط لقيم الشفافية والمحاسبة، وأن يقوم على المردودية، وأداء المستحقات المالية والاجتماعية للصحفيين وتحسين وضعيتهم المالية، عبر مراجعة الاتفاقية الجماعية.
4-توصيات:
-إعادة النظر في طريقة حساب الدعم الممنوح للصحافة المكتوبة؛
-الحرص على وضع عقد برنامج للقطاع الإعلامي والصحفي؛
– الأخذ بعين الاعتبار رقم المعاملات كمعيار لمنح الدعم؛
-اعتماد معيار الوفاء بأداء المستحقات الاجتماعية للصحفيين كمعيار لمنح الدعم؛
– الحرص على وضع آلية لتقييم عقود البرنامج تتيح قياس درجة إنجاز الأهداف المحددة؛
-إتاحة إحصائيات مكتب التحقق من انتشار الصحف المغربية للعمومية قصد توفير آلية للرقابة على الصحف؛
-الحرص على إصدار تقرير حول قطاع الصحافة سواء من طرف المجلس الوطني للصحافة ووزارة التواصل؛
– صياغة إستراتيجية الوزارة فيما يتعلق بالدعم المقدم للصحافة المكتوبة وتفصيلها في برامج يتم إنجازها حسب جدول زمني محدد؛
-إيقاف الدعم إذا انتفت مبررات وجوده.
[1]– تنقسم الجرائد الورقية اليومية إلى جرائد خاصة هي: الأخبار، والصباح، والأحداث المغربية، والصحراء المغربية، والنهار المغربية، وLe Matin، وAujourd’hui Le Maroc، وأخرى حزبية فهي: العلم، والاتحاد الاشتراكي، وبيان اليوم، ورسالة الأمة، والحركة، وL’Opinion، وLibération، وAlbayane، علاوة على جرائد محسوبة على وكالة المغربي العربي وهي: اليوم المغربي، وMaroc Le Jour.
[2]– نجد أن هذا الرقم من عدد المبيعات كانت تحققه جريدة ورقية يومية واحدة وهي جريدة الأحداث المغربية في سنة 2007، باعتبارها جريدة متوسطة من حيث المبيعات، استنادا إلى أرقام مؤسسة ” OJD” للتحقق من انتشار الصحف والمجلات المغربية، بينما كانت جريدة المساء آنذاك تحقق93522 نسخة مبيعة، وجريدة الصباح 54556 نسخة مبيعة.
[3] – الجرائد الخاصة هي: الأخبار، والصباح، والأحداث المغربية، والصحراء المغربية، والنهار المغربية، وLe Matin، وAujourd’hui Le Maroc، والجرائد الحزبية هي: العلم، والاتحاد الاشتراكي، وبيان اليوم، ورسالة الأمة، والحركة، وL’Opinion، وLibération، وAlbayane، وال جرائد المحسوبة على وكالة المغربي العربي هي: اليوم المغربي، وMaroc Le Jour.
[4] – المملكة المغربية، 2023، مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2023، منشورات وزارة الاقتصاد والمالية، ص 66.
[5] – المملكة المغربية، 2023، مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2023، منشورات وزارة الاقتصاد والمالية، ص 66.
[6] – كان الملك الحسن الثاني أول من أسس نظام الدعم المالي للصحف الحزبية في ثمانينات القرن الماضي بحيث خصص 20 مليون درهم سنويا لدعم الصحافة الوطنية ومساعدة الأحزاب السياسية. ويرجع إلى تفاصيل ذلك في الرابط: https://tinyurl.com/mv4ph45b
[7] – عضو المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف محمد لغروس، التنظيم الذاتي للمهنة والنهوض بالمقاولة الصحافية، تدخل مقدم في يوم دراسي حول “الصحافة بين تكريس الحرية والنهوض بأوضاع المهنيين، نظمه الفريق الحركي بمجلس النواب بشراكة مع المنتدى المغربي للصحافيين الشباب يوم 26 أكتوبر 2022 بمقر مجلس النواب بالرباط.
[8] – كان الرقم يشير إلى أن الصحف المغربية في مجموعها تبيع أقل من 200 ألف نسخة يوميا إلى حدود سنة 2020، لاحقا أظهر تقرر للمجلس الوطني للصحافة أن المعدل اليومي للمبيعات لم يتعد 76 ألف نسخة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2020.
[9] – المجلس الأعلى للحسابات، 2018، التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2016 و2017، تقييم دعم الصحافة المكتوبة، الجزء الأول، إصدارات المجلس، ص 573.