لفت الدكتور النمساوي (هانس اسبرجرHANS ASPERGER) من جامعة فيينا النظر للمرة الأول ىعام 1944 م أن هناك مرض يصيب كل واحد من خمسة آلاف طفل يتميز بأمرين في غاية الغرابة والتناقض وله قاعدة بيولوجية في الدماغ. واستعرضت مجلة در شبيجل الألمانية هذا المرض في عددها 43 من عام 2000 م حيث رسمت الأمكنة التشريحية لدماغ الأطفال الذين يصابون بهذه العله العجيبة من العبقرية! واليوم يعكف عالمان في الصحة النفسية في أمريكا هما ( فريد فولكمار و آمي كلين FRED VOLKMAR & AMI KLIN)من جامعة (ييل) في مركز دراسة الأطفال (YALE CHILD STUDY CENTER) على دراسة هذه الظاهرة بدقة وتعريفها على وجه التحديد. حيث ينشطر الشخص بين المحيط الاجتماعي والعبقرية الفردية. ففي الوقت الذي يتكلم الطفل عشر لغات ويتعلم الفيزياء الذرية في دار الحضانة يصف الدكتور (اسبرجر) الذي سمي المرض باسمه وكان من أبرز شخصياته الفيلسوف (فيتجن شتاين WITTGENSTEIN) النمساوي أنه كان يحاضر لساعات طويلة في جامعة كمبريدج في صوت مثل تغريد البلابل بدون كلل ولكن وجهه كما وصف كان قناعاً بارداً لايعرف التعبيرات وتفاعلاته في برودة الثلج فلا وجود لحرارة العواطف كما كانت صحبته موحشة قاسية غير متحملة. وقام علم النفس بدراسة تفصيلية عن هذا الحاجز الرقيق بين العبقرية والجنون وكتب فيلسوف الحداثة (ميشيل فوكو) كتاباً هاما عن (الجنون MADNESS) في 600 صفحة ووضع مدخلاً جديداً لتعريف الجنون، ومن جملة تعليقاته الساخرة لاستخدامات اللفظة (استئصال الرحم) أنها كلمة تعني نزع الهستيريا من المرأة ولعل أطباء النسائية سيتفطنون لهذه الكلمة بعد أن كانوا يمرون عليها مرور الكرام(هيستريكتومي HYSTERECTOMY) وهكذا فالرحم عند المرأة هو مستودع الهلوسة والهستيريا ويمكن إراحتها بنزع الرحم منها. إن هذا لشيء عجيب في تاريخ الجنون. ويروي لنا المفكر العراقي (علي الوردي) في تعريفه للجنون أنه ليس فقط الانفكاك عن الواقع بل التصريح بذلك ومن هنا وصف الأنبياء بأن ماجاؤوا به شيء عجاب وإن النبي لساحر كذاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد. وهذا الأمر يرجعنا الى مشكلة العباقرة في مرض (اسبرجر) الذي نتحدث عنه فقد وجد أطباء الأطفال أن من يغرق في نفسه ويتكور على عالمه الخاص ويكون خجولا ومنسحباً من المجتمع ليس بالضرورة ان يكون انسانا فاشلا في المستقبل ونماذج مثل اديسون واسحق نيوتن وآينشتان هم نماذج صارخة لهؤلاء العباقرة. فكل منهم كان مخيبا لأهله في الدراسة ولكن آينشتاين صاغ نظرية النسبية وحلّل نيوتن الضوء ووضع قانون الجاذبية أما أديسون فوصف أنه كان يخترع اختراعا صغيرا كل عشرة أيام واختراعا كبيرا كل ستة اشهر ولعل أهم شيء فعله في تاريخ البشرية هو أنه أضاء العالم عندما دعا لتجربة أول مصباح كهربي أمام ثمانية آلاف ضيف في أول أيام عام 1879م. والله نور السموات والأرض.







