تقديم
الحديث عن بيغوفيتش يأخذك إلى عالم شاسع، لمفكر فرد متعدد المشارب، مثقف عضوي، نهل من معارف متعددة، وكتب في تخصصات متشعبة. وقد شغلت كتاباته الشرق والغرب على السواء، وعد من المفكرين الذين مزجوا بين التنظير والتطبيق. ازداد الرجل في مرحلة عصيبة حيث عرف العالم الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعايش التطهير العرقي لبلده البوسنة. وبيجوفيتش قبل أن يكون فيلسوفا، وقانونيا، فهو رجل إنشاءات بعقلية هندسية واقتصادية، خبر السجن، والحكم، ورابط على التأليف في هذه الظروف العصيبة. تعرف عليه المغاربة خلال أزمة البوسنة والهرسك أواسط تسعينات القرن الماضي، وتوطدت علاقاتهم به بعد ترجمة أعماله الفكرية والفلسفية إلى اللغة العربية، ولتقريب هذا المفكر “المجاهد المجتهد” بتعبير عبد الوهاب المسيري من القراء، والتعريف بفكر وعطائه.
سياق الكتاب وأهدافه
يأتي صدور كتاب “الأخلاق وأزمة الحداثة عند علي عزت بيغوفيتش” بعد مرور عشرين سنة على وفاته رحمه الله تعالى في 19 أكتوبر 2003م، في سياق فكري وتحولات مجتمعية على مستوى منظومة القيم، واهتمام كبير بأسئلة الوجود، والغيب، والفن، والفلسفة، وثنائية الإنسان، وثنائيات الثقافة والحضارة، وسؤال فصل الأخلاق عن الدين، والبحث عن الجوهر الإنساني بين ثنائية الخلق والتطور.…
ويهدف هذا الإصدار الجماعي إلى إبراز معالم المشروع الفكري لعلي عزت بيجوفيتش بعيون وأقلام مغربية، ومناقشة ما طرحه من أفكار عميقة وأسئلة دقيقة حول الأخلاق وأزمة الحداثة، ومحاولة إضاءة جوانب أخرى من المنجز الفكري والنقدي للكاتب والرئيس البوسني على عزت بيجوفيتش (1925م-2003م)، بما قدمه من أفكار وأطروحات ومفاهيم ونظرات. (الكتاب ص 7)
وإن الغاية الفضلى لهذا الكتاب هي فتح نافذة جديدة للنظر في المشروع الفكري لعلي عزت بيجوفيتش في سياقات مختلفة وبمنظورات متنوعة، قصد الاستفادة منه فهما واستيعاباً وتجاوزاً واستئنافا، وهي دعوة أيضا للانفتاح على الفلاسفة والمفكرين والعلماء من مختلف المرجعيات والثقافات. (الكتاب ص 9)
مضامين الكتاب
تضمن الكتاب أربعة فصول، يجد فيها القارئ المغربي والعربي عصارة وخلاصة فكر علي عزت بيجوفيتش، الفصل الأول تضمن ثلاث دراسات رصينة تستحضر السيرة الذاتية والمشروع الفكري لبيغوفيتش ومكابدته في ميدان الفكر والسياسة، أما الفصل الثاني فقد تضمن أربع دراسات نوعية حول منظور بيجوفيتش للعلاقة بين الحضارة والثقافة، ومحورية هذه الأخيرة في الإصلاح الشامل والاستقلال الكامل. أما الفصل الثالث الذي يشكل صلب نظر بيجوفيتش فقد تضمن هو أيضا أربع دراسات متكاملة قاربت مركزية الأخلاق في نقد بيجوفيتش لأزمة الحداثة في الحضارة الغربية، بالإضافة إلى أبعاد العلاقة بين الدين والأخلاق والإنسان والحياة، وفي الفصل الرابع والأخير الذي تضمن دراستين اثنتين ركزتا على رؤية بيجوفيتش للمسألة الفنية في الواقع المعاصر.
وقد شارك في هذا السفر المكين ثلة من الباحثين الأجلاء، وجلة من المفكرين الأوفياء لدينهم ووطنهم وأمتهم، من مختلف التخصصات والمشارب، يجمعهم هم البحث العلمي والنظر الفكري، ورصد التجارب الشاهدة والنماذج الرائدة في التجديد والإحياء والنهضة والإصلاح، وهم: أبوزيد المقرئ الإدريسي، فيصل الأمين البقالي، نور الدين أحمد الشهب، ادريس التركاوي، عبد الرحيم مفكير، مصطفى فاتيحي، عبد العزيز الإدريسي، عبد الكريم بولحدو، محمد بوكريبات، بهيجة الماضي، عبد الحكيم كرومي، عبد السلام البقالي. (الكتاب ص 9)
خاتمة
لقد شغل بيغوفيتش وأشغل من معه ومن قرأ له بقضايا النهضة والإصلاح، والفكر والثقافة، والتمكين للإسلام والمسلمين فلسفيا وواقعيا، من خلال إبرازه الثنائية القطبية التكاملية الإسلامية. وكتاب “الأخلاق وأزمة الحداثة عند علي عزت بيغوفيتش بعيون مغربية” عمل جنود الخفاء على إخراجه للوجود، ومنهم الدكتور سلمان بونعمان رئيس “مركز معارف المستقبل للدراسات والأبحاث” الذي تتبع خطوات الكتاب منذ أن كان بذرة إلى أن استوى على سوقه شجرة وارفة الظلال، والمفكر المغربي أبو زيد المقرى الإدريسي الذي كان له الفضل في تعريف المغاربة بهذه الشخصية في تسعينيات القرن الماضي بالمحاضرات التأطيرية، ونشر كتب علي عزت مترجمة إلى العربية، والأستاذ المبدع الفنان كمال أمران الذي أبدع في إخراج غلاف الكتاب بلمسة جمالية وهوية بصرية رائعة، والفتاة هبة الإدريسي لما قدمت من مساعدات طيبة في المراجعة اللغوية والترقيمية، لبعض فصول من الكتاب.