مقدمة:
بعد صدور دستور 2011 وما جاء فيه من مستجدات مهمة وعلى رأسها “الجهوية المتقدمة” كقاطرة للتنمية الترابية/المحلية، وبهذا بات موضوع اللامركزية الترابية ودورها في خلق التنمية المندمجة والمستدامة من أهم المواضع والرهانات التي طفت على السطح مؤخرا.
ومن هذا المنطلق فإننا سنتناول الجماعة كنواة للفعل العمومي الترابي المحلي وذلك يرتبط بشكل جلي بمدى استجابة هذه الأخيرة للحاجيات اليومية للساكنة المحلية، المختلفة والمتعددة فالمشرع أعطى للجماعات الترابية بوحداتها الثلاث عدة صلاحيات واختصاصات، إذ أفرد للجهات التنمية الاقتصادية والعمالات والأقاليم التنمية الاجتماعية فيما بقيت خدمات القرب للجماعات. وهذا التدشين المؤسساتي والقانوني يحيلنا مباشرة عن المرجعية الدستورية للجماعات الترابية (الباب التاسع من الدستور) والمرجعية التنظيمية والتي تحيل على القوانين التنظيمية الصادرة بترقيم متتالي 111,14، و112,14 و113,14 لكل من الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات [1] نروم من خلال هذه المساهمة مساءلة الحصيلة التنموية للجماعات في ظل اللامركزية الترابية، ثم تحديد جملة العراقيل التي تحول دون تحقيق لامركزية حقيقية قوامها ديمقراطية تداولية بالمفهوم الهابرماسي. وعليه، فإن ما تتغياه هذه الورقة هو معرفة ما مدى استجابة الجماعات الترابية لحاجيات المواطن وتمتيعه بخدمات قرب في مستوى حقوق مواطنته ومساهمته في خزينة الدولة والجماعة ؟ خاصة أن هذا الحق بات مكفولا دستوريا وقانونيا حيث “تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب”[2]، فخدمات القرب باتت تعتبر جزءا لا يتجزأ من الصلاحيات الممنوحة للجماعات الترابية في ظل الجهوية المتقدمة، حيث أعطى المشرع في الفصل 140 من الدستور بناء على مبدأ التفريع، للجماعات الترابية، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة اليها من هذه الأخيرة [3] ومن الاختصاصات الذاتية للجماعة خدمات القرب، فهنالك شبه إجماع بين الخبراء والمختصين بقضايا التنمية الترابية، إنههناك علاقة حميمية بين الديمقراطية والتنمية. وتعتبر هذه الأخيرة مفتاحا أساسيا للتنمية المستدامة والمندمجة ومن هنا يمكننا الحديث عن ديمقراطية القرب.[4]
وقبل الخوض في الموضوع لابد من طرح عدة أسئلة سنسعى في هذا المقال للإجابة عنها: ماذا نعني بالجماعة؟ وماهي أدوارها في التنمية المحلية؟ هل تطور أداء الجماعة في تحقيق التنمية انطلاقا من الصلاحيات الممنوحة لها في ظل دستور 2011 والقوانين التنظيمية الجديدة؟
كما هو معلوم أن المشرع بوء الجماعات الترابية مكانة رفيعة ايمانا منه أن التنمية قضية الجميع وليست قضية فاعل دون اخر، فقد منح صلاحيات أوسع لممثلي الساكنة ترابيا. وعليه فإن عملنا هذا سينكب على معرفة أدوار ووظائف الجماعات الترابية في التنمية المحلية وكذا الصعوبات والإكراهات التي تواجه الجماعات الترابية في تحقيق تنمية محلية وتنزيلها في برامج متعددة.
أولا-الجماعة الترابية بين التأصيل والنص القانوني:
الجماعة تعني جماعة اجتماعية من البشر يعيشون مع بعضهم البعض مشكلين وحدة عضوية، يجمع بينهم رابط اجتماعي يقوم على أغراض ومصالح مشتركة بينهم، في حين ان الجماعة COMMUNE هي الوحدة الترابية الصغرى بالمجال، تتم إدراتها من قبل مسؤولين ومساعدين ومستشارين.[5]
فالجماعة الترابية هي النواة الأولى والوجه الأساسي لديمقراطية القرب، فهي الوحدة الترابية الصغرى والثالثة بعد الجهات والعمالات والاقاليم، حيث عرفها المشرع الدستوري في الفصل 135 من الدستور: “الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، الجماعة الترابية شخصية اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر”[6] حيث نجد انه لا يوجد اختلاف كبير بين الفصل 135 من دستور 2011 والدساتير السابقة، ففي دستور 1962 تعرف الجماعات كما يلي “الجماعات المحلية بالمملكة هي العمالات والاقاليم ويثم احداثها بالقانون”[7].
وهو نفس التعريف الذي نجده واردا في دستور1970 ثم دستور1992″الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات الحضرية والقروية، ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى اإا بالقانون”[8] ثم دستور 1996 اعطى نفس تعريف دستور 1992 فدستور 2011 الذي أضاف صفة الترابية للجماعات عوض المحلية، وفي هذا الإطار يميز الدكتور محمد الويز في كتابه “مقاربة سوسيولوجية لأشكال التنظيم الترابي بالمغرب” بين هذه النصوص الواردة في الدساتير من دستور 1962 وصولا لدستور 2011 من حيث الشكل ومن حيث المضمون:
- على مستوى الشكل:
التغيير يتمثل فقط في الفصل أو الباب، من خلال زيادة او حذف كلمة او شيء من هذا القبيل وعلى سبيل المثال: التغيير الذي حصل بين مشروع دستور 1962 ومشروع دستور 1970 حصل على مستوى الفصل، فقط ففي الدستور الأول الفصل 93 هو الذي يعرف الجماعات اما في دستور 1970 فالفصل 86 هو الذي يعرفها. نفس الشيء بالنسبة لدستور 1992 ودستور 2011 حيث في الأول الفصل 94 من الباب العاشر هو الذي يحدد الجماعات وفي الثاني الفصل 135 من الباب التاسع هو الذي يحددها[9].
- على مستوى المضمون :
هناك تغيير شبه وحيد، من 1962 حتى1992 بمعنى على مدار ثلاثة عقود ونصف، أضيف معنى واحد فقط لمفهوم الجماعات المحلية، حيث أصبحت الجهة أيضا وبموجب القانون جماعة محلية، وهذا ما نجده واضحا في الفصل 94 من مشروع دستور 1992.
أما دستور 2011 فالتغيير الذي يميزه فيما يخص الجماعات مقارنة مع دستور 1992 فالمفهوم الوحيد الذي أضيف هو “الترابية” أما الجوهر فلم يلحقه أي تغيير يمكن أن يحدث تطورا او انتقالا معينا.
وبهذا يجمع الباحثين والخبراء أنه إن كان من تغير هو تغيير حرفي، لغوي فقط وليس تغيير يستهدف الواقع الاجتماعي والاقتصادي لأفراد المجتمع[10]، وان أبرز تغيير خلال الخمسين سنة الأخيرة إضافة مفهومين لمعنى الجماعات: مفهوم الجهة ومفهوم التراب.
وللاقتراب أكثر من إعطاء تعريف للجماعات الترابية لابد من الاعتماد، على تعريف القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات اذ نجد في المادة 2 من القسم التمهيدي “ان الجماعة تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي”[11] ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الجماعة كمؤسسة عبارة عن الية تداولية في تدبير وترتيب المصالح المشتركة لمجموعة بشرية مندمجة داخل نفس المجال الترابي[12] ويشكل السكن والانتساب للنفود الترابي للجماعة هو المحدد الأساسي للانتماء لهذا التنظيم .
ثانيا-التنمية المحلية واختصاصات الجماعة الترابية
للحديث عن التنمية المحلية لابد ان ننطلق من الماكرو أولا (التنمية)وصولا الى الميكرو (التنمية المحلية)، ومن هذا المنطلق سنقوم بتحديد مفهوم التنمية بشكل عام باعتبارها مجموعة من التحولات والتغييرات التي تقوم بمس جوانب متعددة اجتماعية واقتصادية وسياسية[13].
ومن هنا يمكننا القول انها عملية تاريخية تهتم أساسا بالإنسان باعتباره رأسمالا وثروة أساسية في المجتمع، فتأهيل العنصر البشري بات مطلبا أساسيا هنا والان للمجتمعات والمؤسسات لان الانسان يوجد في قلب السؤال التنموي.
ومن منظور علم الاجتماع يعتبر الدكتور لحبيب امعمري ان التنمية هي عملية تغيير تمس كل الجوانب ولا تنحصر فقط في الجانب الاقتصادي[14].اي انها عملية انتقال من وضعية الى وضعية أفضل عبر تحسين إطار حياة الساكنة، لتكون بذلك تغييرا للمعارف والمواقف والممارسات فهي عملية شمولية تهدف لتحسين حياة البشر افراد وجماعات.[15]
ولتدقيق أكثر فإننا سنستعين بتعريف “شوداك” للتنمية كونها عملية تغيير جدري يقع في المجتمعات والترابات من نواحي مختلفة، أي انها عملية عامة تهدف للارتقاء بالمجتمع.[16] الا انه لا يمكننا القول انه هناك تعريف جامع مانع للتنمية فهي تيمة عابرة للتخصصات والبارديغمات، فكل باحث وكل تخصص له تعريفه الخاص.
انطلاقا مما سبق وللإحاطة أكثر بمفهوم التنمية، يبدو لنا انه وجب تحديد خصائص التنمية والتي نجملها في أربعة كالاتي:
- الشمولية : التنمية تغيير شامل وعام لا يركز على الجانب الاقتصادي وحسب.وانما تغير يشمل المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية وهي في ذلك تعامل المجتمع باعتباره نظاما متكاملا.
- الاستمرارية: انها ذات طبيعة استمرارية مادام المجتمع في تغير مستمر في حاجاته ومتطلباته.
- عملية واعية ومخططة: عملية مخطط لها وليست عشوائية تعتمد على التخطيط المسبق للوصول الى اهداف معينة.
- عملية هادفة: أي انها عملية محكومة بهدف تحقيق رفاهية المجتمع عن طريق زيادة كفاءة وأداء مختلف انشطته.
فبعد تطرقنا لخصائص التنمية وللتدقيق أكثر فإننا نقترح استحضار بعض المفاهيم ذات الصلة بمفهومنا المركزي أي التنمية، والتي نجملها فيما يلي:
- النمو: يختلف عن التنمية اد يشير الى الزيادة الثابتة او المستمرة التي تحدث في جانب معين (الجانب الاقتصادي) فهو بذلك عملية تلقائية.
- التحديث: هو عملية تستهدف احداث تغيرات في جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأيديولوجية فهو انتقال من مجتمع تقليدي او مجتمع ما قبل التحديث الى أنماط تكنولوجية وما يتعلق بها من تنظيم اجتماعي يميز الدول الغربية المتقدمة اقتصاديا والمستقرة نسبيا.فهو احد اهداف التنمية هدف الرقي بالوظائف الاقتصادية وتكاملها.
- التغير: هو حدوث تحولات اجتماعية في أي اتجاه فالتنمية تتضمن الجانب الإيجابي للتغير لكونها عملية تغيير سريعة ومقصودة وهادفة موجهة نحو حياة افضل لكل افراد المجتمع في كل جوانب حياتهم.
بعد هذا الجرد المقتضب للمفاهيم القريبة من التنمية نقترح تعريفا اجرائيا، كون ان التنمية هي انجاز الرخاء المادي والمعنوي والروحي للفرد والجماعة فهي بذلك منظومة عامة من حاجيات وشروط الحياة الفردية والجماعية، التي تكون مقبولة عند مقارنتها بالقيم السائدة في مناطق أخرى. فهي بذلك عملية دينامية توجه الطاقات البشرية للمجتمع عن طريق تزويد الافراد بقدر معين من الخدمات في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والسياسية.[17]
ومن هنا سننتقل من العام الى الخاص من الماكرو الى الميكرو أي من الحديث عن مفهوم التنمية عامة الى الحديث عن التنمية المحلية ولكن وجب قبلا تحديد مفهوم المحلي، باعتباره اطارا مرجعيا للسياسات التنموية فهو حيز مجالي ترابي (مدينة، قرية، حي…) يشير الى مجالات مبنية ومؤسسة اجتماعيا، مثل الجهوي والوطني فهو بذلك يتأثر بحدود مؤسساتية (بلديات، مقاطعات الخ) كما ينتج عن الهويات والعلاقات البينية التي تخلقها هذه الحدود، والتي تغيرها هي بدورها. [18]
ويمكننا انطلاقا من مفهوم المحلي ان ننفتح عن مفهوم جديد وهو المجتمع المحلي والذي يحدد في ثلاثة ابعاد:
- البعد الاول: البعد البيولوجي
أي ان الساكنة تشكل مادة هذا المجتمع، أي الانتساب الى تراب معين ويشكلون وحدة إقليمية او جهوية وينتسبون لقبيلة واحدة.
- البعد الثاني: البعد الجغرافي
الأرض وخيراتها من موارد طبيعية التي تعتبر امتداد للعنصر البشري وهو ما يفسر التحالفات والتنافرات حول الموارد المائية والنباتية والحيوانية الخ.
- البعد الثالث: البعد الاجتماعي
أي العلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين الافراد الذي يساهم في الترابط داخل بنية المجتمع المحلي ويرتبط بأواصر القرابة والدم، وعقود التأخي المبنية على طقوس، ما يصطلح عليه دوركهايم بالضمير الجمعي المتجسد في المعتقدات والقيم[19].
بعد هذا الاستعراض المبسط لتوضيح مفهوم المحلي باتت الحاجة لربط التنمية بهذا الأخير والحديث عن التنمية المحلية، مما يعطي لعملنا هذا صبغة سوسيولوجية أي ربط الجماعة ببعدها التنموي والاجتماعي.
يمكن التاريخ لمفهوم التنمية المحلية والعودة به لبداية الثمانينات، حيث فرض المفهوم نفسه نتيجة لتردي الأوضاع والنتائج السلبية المترتبة عن السياسات العمودية ذات الطابع الماكرو اقتصادي التي أدت لاتساع الفوارق بين المركز والهامش.[20]
ومن هنا فان جل الدول أصبحت تفكر في منح صلاحيات أوسع للمجالات الترابية، في شخص جماعاتها لنهوض بأوضاعها المحلية وتحقيق التنمية على المستوى الترابي، خاصة ان الدولة وتنظيمها المركزي لم تعد قادرة على الاضطلاع بمسؤولية تنمية كل المجالات الترابية لوحدها. وانطلاقا من هذا الطرح يعرف الباحث X.Greffe “التنمية المحلية انها سيرورة لتنويع واغناء الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية فوق تراب ما، انطلاقا من تعبئة وتنسيق موارده وطاقاته”[21] وهذا ما يترجمه المشرع المغربي في الفصل 140 من دستور 2011 أنه بناء على مبدأ التفريع للجماعات الترابية اختصاصات ذاتية ومشتركة ومنقولة.
عطفا على ما سبق يمكن اعتبار التنمية المحلية كونها عملية مركبة ودينامية هدفها تحقيق المتطلبات الاجتماعية واشباع الحاجات الضرورية للساكنة المحلية، لتكون بذلك عملية منظمة ومخطط لها تهدف للانتقال بالمجتمع من وضع سيئ لوضع أحسن، فهي نتيجة تعاون فعال وناجع بين السكان والسلطات العمومية لرفع من مستويات المجتمعات المحلية والوحدات الترابية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا وفق منظور يهتم بشتى أنواع الحياة. اد لا يمكن تحقيقها دون ضمان المشاركة الإيجابية للمجتمع المحلي سواء كانت تلقائية او بالاستعانة بالوسائل المنهجية لبعثها واستثمارها بطريقة تضمن لنا استجابة حماسية وفعالة للساكنة.
ومن هنا يمكننا القول انه رغم تخلي الدستور والقوانين التنظيمية عن تسمية الجماعات المحلية وتعويضها بالترابية الا انه ومن مرجعية سوسيولوجية سنعمل على الاحتفاظ بتسمية الجماعات المحلية ومن هنا سنوضح بعض اختصاصات الجماعات المحلية في التنمية فالفصل 140 من الدستور المغربي اعطى للجماعات اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة واختصاصات منقولة والتي سنجملها كما يلي:
ان الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية كما حددها المشرع في القانون التنظيمي 113,14 تشتمل على الاختصاصات الموكولة للجماعة في مجال معين بما يمكنها من ممارسة اختصاصاتها في حدود مواردها وداخل نفوذها الترابي من قبيل التخطيط، والبرمجة والانجاز والتسيير والتدبير والصيانة.
اما الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة، هي مجموع الاختصاصات التي يتبين ان نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك، ويمكن ممارستها طبقا لمبدأي التدرج والتمايز، اما الاختصاصات المنقولة فهي التي تنقلها الدولة الى الجماعة مما يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي، فالقانون التنظيمي 113,14 حدد من المادة 77 الى المادة 91 هذه الاختصاصات[22] ورتبها كما هو مبين في الجدول اسفله:
الاختصاصات الذاتية | الاختصاصات المشتركة | الاختصاصات المنقولة |
برنامج عمل الجماعة | تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل | حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية |
إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب | المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته | إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة |
التعمير واعداد التراب | ||
التعاون الدولي |
الا انه رغم ما اوكله المشرع للجماعات الترابية من صلاحيات أوسع وما اعطته الجهوية المتقدمة في إطار اللامركزية الترابية من ترسانة قانونية مهمة لا زلنا نلمس جملة من الاكراهات والعراقيل والصعوبات التي تحول دون تحقيق تنمية حقيقية وهو ما سنخصص له المحور الثالث من هذه الورقة.
ثالثا -الإكراهات والصعوبات لتنزيل التنمية المحلية:
فمن جملة العراقيل والاكراهات لتحقيق تنمية محلية حقيقية بالمجال المحلي نجد عدم كفاءة العنصر البشري بالجماعات الترابية تحتل صدارة هذه المشاكل وذلك راجع لعدم قدرة الهيئات الحزبية على إنتاج أطر وفاعلين مؤهلين لتدبير الشأن المحلي وتسيير الجماعات الترابية، وكل هذا ناتج عن الفوضى المتجلية في التعددية الحزبية التي لا تقوم على برامج ورؤى واضحة، وغياب الديمقراطية الداخلية في جل الهيئات الحزبية ومنح التزكيات للأعيان وأصحاب الشكارة ما نتج عنه افراز واقع سياسي معاق، أدى إلى انسحاب الكفاءات والأطر من العمل السياسي، وما يترجم ما قلناه ، إحصائيات رسمية توصلت لها المديرية العامة للجماعات إد أثبتت أن من أصل 30 الف و 663 مستشار يسيرون جماعات المملكة 1503.1 و 4739 لم يلجوا المدارس في حياتهم ثم 8792 مستشارا في الجماعات و 212 في العمالات والاقاليم وفي مجالس الجهات لم يتجاوز مستواهم الدراسي الابتدائي في حين 7871 مستشارا بالجماعات و 637 بالعمالات والاقاليم و 460 بالجهات قد بلغو التعليم العالي.
اما عدد المستشارين الشباب اقل من 25 سنة فقد بلغ 2 فالعمالات والاقاليم و4 بالجهات و769بالجماعات.
ما يمكننا استخلاصه من هذه الاحصائيات والارقام هو أن حلم التنمية، لكي يتم تحقيقه وجب على كل الهيئات الحزبية، تغيير نظام اشتغالها وذلك باعتمادها على تشجيع الكفاءات والاطر والشباب وتفعيل الديمقراطية كما أكد على ذلك عاهل البلاد الملك محمد السادس في الكثير من خطاباته السامية[23].
وانطلاقا مما سبق نجد انه يصعب على الجماعات الترابية خاصة القروية منها اعتماد الأساليب الجديدة في التدبير كاعتماد المنهجية المقاولاتية والتي تعد مدخلا أساسيا لتجويد العرض الترابي وذلك باعتماد الية التسويق من خلال اعتماد لوحة القيادة والتي لمح لها المشرع بطريقة غير مباشرة من خلال اقراره بضرورة وضع برنامج عمل الجماعة، والذي يمكن اعتباره بمثابة البوصلة التي تحدد خارطة الطريق لست سنوات من الولاية التدبيرية للمجالس الترابية الى ان جل هذه الجماعات القروية لا تضعه ولا تعتمد عليه اما عدم دراية القائمين عليها او لضعف السيولة المالية لتسهيل عملية التعاقد مع مكتب دراسات لوضعه.
من جملة الصعوبات نجد أيضا غياب المقاربة التشاركية مع الساكنة والمجتمع المدني وذلك قصد تحديد الأولويات والقيام بتشخيص يمكننا من معرفة انتظارات الساكنة. ومن هنا يمكننا الحديث عن اكراهات أخرى تتعلق بالبنية القانونية والإدارية ونحددها كما يلي:
- إكراهات قانونية:
من الشروط الأساسية لتطبيق حكامة جيدة لأي تنظيم مؤسسي أو إداري، وجود نصوص قانونية محكمة تؤطر مختلف جوانب نشاطه واختصاصاته وهيكلته، وأي عيب يطال تلك النصوص القانونية سيصبح عائقا أمام حسن أدائه لمهامه. وفي هذا الإطار يأتي عدم تدقيق الاختصاصات، ذلك أن تحديد أغلب اختصاصات المجلس الجماعي تتصف بعدم الدقة، فقد تم إنجاز اللامركزية في المغرب وفق تصور متمركز. وأغلب هذه الاختصاصات ممنوحة للدولة، الجهة، والإقليم أو العمالة، فكيف يكون الحديث عن اختصاصات ذاتية واختصاصات
منقولة إلى جانب ضبابية الاختصاصات التي تحيل على عدم وضوح مسؤوليات، وتنسيق الجهود من أجل التنمية وتشتت الجهود من أجل التنمية، يمكن تسجيل قصور نظام الوظيفة العمومية الجماعية، حيث يواجه تدبير الموارد البشرية في الجماعات الترابية) المحلية (مشاكل كثيرة لعل أهمها قانوني ذلك أن الوظيفة العمومية المحلية لا تستجيب لإكراهات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية ، بالإضافة إلى مشكل منهجي، حيث أن تدبير الموظفين الجماعيين يتم في الغالب دون الأخذ بعين الاعتبار أو التركيز على مواصفات من قبيل النجاعة، الفعالية والمردودية ومن تغيرات قانون الوظيفة العمومية المحلية الجماعية عدم تناسبه مع الأهداف المحددة للسلطات الجماعية، الأمر الذي يحول دون استجابتها لمتطلبات التنمية المحلية، حيث يتم تسجيل حاجة شديدة للأطر المتخصصة في مجالات: التدبير الحضري، التدبير المالي والمحاسبي، أو في مجال العمل الاجتماعي، الثقافي وحماية البيئة[24].
- إكراهات إدارية:
عدم كفاءة الهيئة المنتخبة وغياب منسوب حقيقي للوعي بالمشاكل الحقيقية بالمجال الترابي المحلي ضعف الادارة الجماعية في مجال التخطيط يعتبر من اهم الاكراهات الادارية المعيقة للعملية التنموية.
وكذا عدم المام المنتخب الجماعي بالترسانة القانونية المؤطرة وكذا تقنيات التدبير والتخطيط الجماعي وهو عامل ذاتي يعود للعملية الانتخابية كما أسلفنا كونها تفرز لنا نخبا غير مؤطرة ومكونة فمنطق التزكيات الحزبية خاصة بالعالم القروي كما أكدنا سابقا لا يحكمه منطق الكفاءة انما منطق العينية فعشية كل موعد انتخابي يزداد الطلب عن الاعيان ومول الشكارة.
- تخلفهم عن حضور الدورات التكوينية المنظمة في إطار التكوين المستمر للمنتخبين التي تسهر عليها الجهة.
- خضوع الجماعات لعملية التقطيع وإعادة التقطيع وإعادة تنظيم مجالها الترابي مما ينتج معه عدم استقرار هذه الأخيرة. وفي هذا السياق يحدد الحسن بنزاكور جملة من العراقيل نختصرها فيما يلي “حيث يكون من الصعب، والحالة هذه، وضع رؤية عامة أو برامج وأنشطة على المدى المتوسط أو البعيد لفائدة تنمية الجماعات المعنية، كما يلاحظ بأن السلطة المنتخبة لا تتوفر على وسائل تنفيذ قرارات الشرطة الادارية الجماعية حيث يضطر الرئيس-في حالات نادرة – إلى طلب السلطة المحلية المختصة لاستعمال القوة العمومية بهدف فرض احترام قراراته الخاصة.
يعتبر ممارسة التخطيط المحلي حديثا نسبيا، ذلك أن انخراط الجماعات في التخطيط يتسم بكثير من الارتباك والتردد، وذلك بالرغم من فرض القانون التنظيمي على رؤساء الجماعات إعداد مخطط جماعي للتنمية (حاليا برنامج عمل الجماعة).
فإذا كان التخطيط الاستراتيجي يسعى إلى تطوير رؤية، ومهمة الجماعة عبر استحضار المقاربة التشاركية التي تستند إلى تعدد الفاعلين والمتدخلين، فإن ذلك يستدعي تغيير قيم ممارسة السلطة وإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين مختلف الشركاء الذين يساهمون في صياغة المخطط الاستراتيجي.
هذا وقد واجهت الجماعات في هذ الإطار صعوبات جمة على مستوى إعداد المخطط الجماعي (حاليا برنامج عمل الجماعة)، وبالتبعية على مستوى التنفيذ في ظل غياب الآليات والامكانيات[25].
على سبيل الختم:
من خلال ما سبق يستشف ان إمكانيات الجماعات الترابية في التنمية المحلية تبقى محدودة رغم ما منحها المشرع من صلاحيات، وخاصة في ظل الازمة التي تعاني منها النخب المحلية سواء على مستوى الكفاءة او على مستوى القيم وخدمة الصالح العام ومن هنا يمكننا القول اننا امام خلل بنيوي داخل البنية ككل فالمشكل يجد تجليه في عدم تفعيل الديمقراطية التشاركية التي نص عليها دستور 2011 والتي أصبحت ضرورة لفتح اوراش التنمية بجماعات المملكة ولتحقيق ذلك باتت الحاجة ماسة لتأهيل النخب المحلية، وتوضيح المسؤوليات في عملية اتخاد القرار وتفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بالشأن الترابي المحلي على سبيل المثال التدبير الحر واشراك الساكنة المحلية في عملية اتخاد القرار مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لائحة المراجع المعتمدة:
- _ الدكتور سعيد جفري، الجماعات الترابية بالمغرب، مكتبة الرشاد سطات
- _ عبد الجليل وجاط، دور اللامركزية في التنمية المحلية بالمغرب الجماعة نموذجا
- _ محمد الويز، مقاربة سوسيولوجية لأشكال التنظيم الترابي، فضاء ادم للنشر والتوزيع
- _ لحسن امزيان، السلطان المحلي بين القبيلة والحزب دراسة سوسيولوجية للسلوك السياسي لدى النخبة المحلية المغربية، مطبعة الأمنية الرباط 2013
- _ لحبيب امعمري، التنمية والتغير الاجتماعي، منشورات مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية،2015
- _فوزي بوخريص-مليكة موحتي، في سوسيولوجيا الأحزاب السياسية الأحزاب السياسية بالمغرب بين التنمية المحلية والتنمية السياسية، منشورات الرباط نت
- _ عبد القادر شودان، الجماعات الترابية والتنمية المحلية “الجماعة القروية العرجان نموذجا” بحث لنيل شهادة الاجازة في علم الاجتماع كلية الاداب والعلوم الإنسانية فاس سايس الموسم الجامعي(2020_2019)
- _ عبد الله هرهار، محاضرات مادة التنمية المحلية والتدبير المجالي، الفصل السادس شعبة علم الاجتماع جامعة ابن طفيل القنيطرة
- _ طه الفرحاوي، الجهوية المتقدمة واشكالات الاجراة والتنزيل موقع عن قرب
- _ الحسين بنزاكور، اكراهات تحقيق التنمية المحلية، العمق المغربي
- _الدستور الجديد للمملكة المغربية لسنة 2011
- _مشروع دستور 1962
- _ مشروع دستور 1992
- _ القانون التنظيمي 113,14 المتعلق بالجماعات
الهوامش:
[1] الدكتور سعيد جفري، الجماعات الترابية بالمغرب، مكتبة الرشاد سطات، 2016ص6
[2] القانون التنظيمي 113,14 المتعلق بالجماعات
[3] الدستور الجديد للمملكة المغربية الصادر بتاريخ29يوليوز2011
[4] ذ،عبد الجليل وجاط، دور اللامركزية في التنمية المحلية بالمغرب الجماعة نموذجا
[5] محمد الويز، مقاربة سوسيولوجية لأشكال التنظيم الترابي، فضاء ادم للنشر والتوزيع,2017 ص29
الدستور الجديد للمملكة المغربية [6]
[7] مشروع دستور 1962
[8] مشروع دستور 1992
[9] محمد الويز، مرجع سابق ص31
[10] محمد الويز، مرجع سابق ص 32
[11] القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات
[12] لحسن امزيان، السلطان المحلي بين القبيلة والحزب دراسة سوسيولوجية للسلوك السياسي لدى النخبة المحلية المغربية، مطبعة الأمنية الرباط 2013 ص 205
[13] لحبيب امعمري، التنمية والتغير الاجتماعي، منشورات مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية،2015 ص6
[14] لحبيب امعمري،مرجع سابق ص11
[15] فوزي بوخريص-مليكة موحتي، في سوسيولوجيا الأحزاب السياسية الأحزاب السياسية بالمغرب بين التنمية المحلية والتنمية السياسية، منشورات الرباط نت،2019 ص50
[16] عبد القادر شودان، الجماعات الترابية والتنمية المحلية “الجماعة القروية العرجان نموذجا” بحث لنيل شهادة الاجازة في علم الاجتماع كلية الاداب والعلوم الإنسانية فاس سايس الموسم الجامعي(2020_2019),ص 34
[17] عبد الله هرهار،محاضرات مادة التنمية المحلية والتدبير المجالي، الفصل السادس شعبة علم الاجتماع جامعة ابن طفيل القنيطرة.
[18] فوزي بوخريص_مليكة موحتي، مرجع سابق ص 56
[19] عبد الله هرهار، مرجع سابق
[20] فوزي بوخريص_مليكة موحتي، مرجع سابق ص64
[21] مرجع سابق، ص65
[22] القانون التنظيمي 113,14 المتعلق بالجماعات
[23] طه الفرحاوي، الجهوية المتقدمة واشكالات الاجرأة والتنزيل موقع عن قرب
[24] الحسين بنزاكور، اكراهات تحقيق التنمية المحلية، العمق المغربي
[25] الحسين بنزاكور مرجع سابق